من يدلني على المسلمين؟ بقلم: على محمد الشرفاء الحمادي

من يدلني على المسلمين؟ بقلم: على محمد الشرفاء الحمادي

في زمن تتباين فيه الأصوات وتتعدد فيه المواقف، وتتشوش فيه الحقائق بين ما هو أصيل وما هو مزيف، يبقى السؤال الأبرز: من هو المسلم الحق؟ في خضم ما يعصف بالعالم من أهواء وأيديولوجيات متباينة، يأتي الإسلام ليقدم لنا نموذجًا إنسانيًا متكاملاً، لكنه اليوم أصبح للأسف بعيدًا عن الكثيرين. ذلك النموذج الذي يتألق بأخلاقه السامية وقيَمه العظيمة بات غريبًا عن واقعنا المعاصر.

في ظل التشويه الذي تعرضت له رسالة الإسلام، أصبحت الكثير من المفاهيم تُفهم بشكل مغلوط، والأصوات التي تحرف الحقائق تزداد صخبًا. لكن يبقى القرآن الكريم هو المرجعية الوحيدة التي تحدد معالم هذا النموذج الصادق، الذي يمثل الإسلام في جوهره. فما الذي بقي من تلك المبادئ في عصرنا هذا؟ هل نرى إنسانًا يتبع الحق بكل صفاء؟ هل نجد مسلمًا يطبق المبادئ القرآنية التي تدعونا إلى الرحمة والعدل والمساواة؟ أم أن تلك الصفات قد أصبحت جزءًا من ذكرى تليها الأزمان؟

إن كل تلك الروايات التي نسبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقلها على الإطلاق وهي دون دليل أو سند ومن خلال ذلك التزييف والتشويه يرتكب البعض جرائم التحريف ليبعدوا الناس عن رسالة الإسلام الحقيقية التي تضمنتها الآيات القرآنية والتى كلف الله بها رسوله ليبلغها للناس لتعصمهم من مغريات الدنيا ومجاهدة النفس الأمارة بالسوء، لتحميهم من نزوات الشيطان عدو الإنسان منذ اليوم الأول لخلق آدم.

حدد الله في خطاب التكليف لرسوله ما يلي:
"وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ" (الرعد 40).
وقد اقتصرت مهمة الرسول عليه السلام في البلاغ للآيات القرآنية وشرح مقاصدها وحكمتها لمصلحة الإنسان. ليبقى كلام الله هو الذي يسود الكون ولا كلام بعده من رسول أو نبي، لأن الله يخاطب به عباده ويدعوهم لما يحصنهم من الذنوب والمعاصي في الدنيا والحساب يوم القيامة.

يريد الله للناس أن يعبدوا ربا واحدًا وليسوا أربابًا يدعونهم من دون الله. ألم يبين الله للناس التحذير الذي وجهه لرسوله الذي اختاره وصاغ شخصيته للقيام بمهمة عظيمة، حينما وجه له التحذير بقوله:
"وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ، وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ" (الحاقة 44-47).

كما أن الله خاطب رسوله بقوله سبحانه بصيغة استنكارية:
"تِلْكَ آيَاتُ اللَّـهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّـهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ" (الجاثية 6).
هذه الآية بلغها الرسول للناس بلسانه وتعتبر حكمًا باتًا بإسقاط كافة الأحاديث واعتبارها مزورة وكأنها لم تكن. وقد حدث التزييف والتزوير والتشويه ضد رسالة الإسلام التي تضمنتها الآيات القرآنية ليصرف أولياء الشيطان وأعوانه عن الآيات القرآنية بشهادة رب العالمين حينما ذكر الله سبحانه نبأ استباقي عن شكوى الرسول إليه في قوله سبحانه:
"وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا" (الفرقان 30).

وهكذا توقف انتشار الإسلام بعد وفاة الرسول إلى يومنا هذا. فلم يعد في العصور السابقة مسلمون على الإطلاق، لأن المسلم يلتزم بعقد مع الله لتطبيق شرعته ومنهاجه. المسلم لا يقتل الناس ظلمًا وعدوانًا. المسلم لا يتشاجر مع أي إنسان. المسلم كاظم غيظه. المسلم متسامح، يحترم حقوق الناس. المسلم لا يكره أي إنسان بغض النظر عن دينه وهويته. المسلم رحيم وعادل. المسلم عطوف وكريم. المسلم يحترم حقوق الإنسان ويحترم دينه. المسلم يتمتع بالأخلاق القرآنية حتى الظن السيئ بالآخرين نهى الله عنها حتى يحدث التقارب بين الناس.

المسلم الحق يؤمن بكل الأديان السابقة ولا يعتدي ولا يكره. المسلم هو الذي اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرته العطرة التي ذكرت صفاته في الآيات القرآنية.
وليس الروايات الشيطانية التي شوهت رسالة الإسلام وأساءت إلى سيرة الرسول عليه السلام. المسلم عف اللسان، طليق الوجه، بشوش ومحب. المسلم ينصف الناس من نفسه ويعطي كل ذي حق حقه.

أوجد لي إنسانًا بتلك الصفات منذ وفاة الرسول عليه السلام إلى اليوم، فلن تجد نموذجًا للمسلم الذي أراده الله. والله المستعان.
كم من الدماء سالت منذ حروب الردة، وتوالت بحرب صفين بين أقرب الناس للرسول الذين كان من المفروض أن يترجموا ما تعلموه من الرسول عليه السلام. فما الفرق اليوم بين قتال الأمويين والعباسيين التي تكررت على مدى ألف وأربعمائة سنة إلى اليوم؟ وأين المسلمون في العالم بين مئات الفرق والمنظمات التي تدعي الإسلام ويقتل بعضهم بعضًا؟ أين الرحمة؟ أين العدل؟ أين التشريع الإلهي الذي طغى عليه تشريع الشياطين وتغييب رسالة الله للناس؟

لذلك لابد أن يعيد الإنسان النظر في إسلامه ويجعل كلام الله في قرآنه مرجعيته الوحيدة كما أمر الله سبحانه في قوله:
"اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ" (الأعراف 3).
أيها القارئ العزيز بعد أن تجولنا معًا في رحاب القرآن الكريم وسلطنا الضوء على معالم المسلم الحق، لا يسعني إلا أن أسألك: هل رأيت يومًا هذا النموذج الحي الذي تتحدث عنه الآيات؟ ذلك الذي يمتلك قلبًا ملؤه الرحمة، ولسانًا طيبًا، وعينين لا ترى إلا الخير في الآخرين؟ ذلك الذي يطبق العدالة الإلهية في كل أفعاله، ويكرم الإنسان في كل زمان ومكان؟ إن القرآن الكريم قد بيّن لنا هذا الطريق بوضوح، فلا عذر لمن ضل عنه. فهل سنكون نحن من يسعى لتحقيق هذه المعاني السامية في حياتنا؟ أم سنظل في بحر التشويهات التي حاصرت الرسالة؟ إن الإجابة على هذا السؤال تقع في يد كل واحد منا. فإلى متى نظل نبحث عن المسلم الحق؟ ربما، قد يكون الجواب فيك أنت، فينا جميعًا، إذا ما رجعنا إلى القرآن وعشنا قيمه السامية بصدق.