يمثل محمد ولد بلال نموذجا نادرا لرجل الدولة الذي يفرض الاحترام بمساره المتماسك أخلاقيا، وصلابته الفكرية، وسموّ إحساسه بالمصلحة العامة. فقد تقلد مناصب سيادية رفيعة، شملت عددا من الحقائب الوزارية، ثم تولى رئاسة الحكومة، دون أن يقترن اسمه في أي مرحلة من تلك المسيرة بشبهة فساد مالي، أو اتهام بسوء التصرف في المال العام، أو مظهر من مظاهر التبذير والعبث بالموارد العمومية.
ولم تكن هذه النزاهة مقصورة على المجال السياسي فحسب، بل تجلت كذلك في إدارته لعدد من المؤسسات والهيئات العمومية الاستراتيجية، التي قادها بانضباط صارم، ومنهجية دقيقة، وإحساس عال بالمسؤولية، من غير أن تسجل عليه خلالها أي اختلالات أو تثار حوله أدنى علامات الريبة. وقد تميز أسلوبه في التسيير بالرصانة، ووضوح الإجراءات، والالتزام الصارم بالقانون، بما يعكس تصورا صارما، بل متقشفا، لمفهوم الخدمة العمومية.
وهذه الصورة ليست مجرد استنتاج يستند إلى السجل الرسمي للمناصب، بل تؤكدها أيضا التجربة المباشرة. فقد أتيحت لي فرصة العمل إلى جانبه والتعامل معه عن قرب لمدة عامين، خلال الفترة 2001–2002، كان حينها على رأس المشروع الذي سيعرف لاحقا باسم وكالة تنفيذ المشاريع الصغيرة (AEMP). وقد مكنتني تلك المرحلة من معاينة مسؤول قليل الميل إلى الاستعراض، شديد الانتباه للتفاصيل، حريص على الانضباط الجماعي، ومتشدد في احترام المال العام. ثم توالت مهامه لاحقا على رأس مؤسسات وقطاعات وزارية متعددة، قبل أن يعين وزيرا أول. وخلال السنوات الطويلة التي أعقبت ذلك، لم تسنح لي، للأسف، فرصة اللقاء به من جديد، غير أن خط سلوكه العام ظل متسقا، بلا انعطاف ولا تناقض.
وتستمد نزاهة محمد ولد بلال جذورها من تدين هادئ، عميق، يمارسه بوصفه التزاما أخلاقيا دائما، لا مظهرا اجتماعيا. ويعزز ذلك عقل هندسي صارم، تشكل بفعل تكوين علمي دقيق، قائم على التحليل والمنهج والاحتراز. ومن هذا التزاوج الفريد بين الحس الأخلاقي الصارم والعقلانية العلمية، تبلور نمط في الحكم يقوم على التروي، والاستشراف، والدقة، ورفض الارتجال.
وفي سياق سياسي كثيراً ما تطبعه هشاشة الثقة، واستنزاف السلطة، واختلاط العام بالخاص، تبدو هذه المسيرة النظيفة استثناء ذا دلالة، وأحد مرتكزات المصداقية والسلطة المعنوية، ومصدر الثقة المستقرة التي تحظى بها شخصيته لدى المؤسسات، كما لدى قطاعات واسعة من الرأي العام.
ومن هذا المنطلق، جاء اختياره لقيادة أكبر حزب سياسي في البلاد، لا باعتباره تكريما شخصيا بقدر ما هو إقرار جماعي بمسار تميز بالولاء للدولة، وضبط النفس في ممارسة السلطة، وتقديم الاعتبار الأخلاقي على الحسابات الظرفية.
وهكذا، يرى كثيرون في محمد ولد بلال مرجعية للاتزان والجدية والنزاهة، في مرحلة تاريخية يظل فيها ترميم الثقة بين المواطن والحياة السياسية أحد أعقد التحديات وأشدها إلحاحا.

