احتضنت الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية جنوب شرق المملكة المغربية، يوم الثلاثاء 30 دجنبر 2025، ندوة وطنية علمية في موضوع «الفقه الإسلامي – خطاب البدايات: الحدود المعرفية والأدوات المنهجية لتنزيل الأحكام على الوقائع»، بمشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين المتخصصين في الفقه وأصوله والقانون، في سياق علمي يروم تجديد النظر المنهجي ومواكبة التحولات المعاصرة.
وشكّلت الندوة فضاءً علميًا لمناقشة الإشكالات المعرفية والمنهجية التي صاحبت تشكّل الفقه الإسلامي في مراحله الأولى، حيث انصبّ النقاش على مسار تحوّل الفقه في بعض الحقب التاريخية إلى مذاهب مغلقة، وما ترتب عن ذلك من تضييق لدائرة الاجتهاد، خاصة منذ القرن الثاني الهجري الذي عرف تدوين الحديث وتبلور العلوم الشرعية. وتناول الدكتور المصطفى فرحان في مداخلته الإشكالات المعرفية والمنهجية التي رافقت نشأة علم الفقه وأسهمت في تطوره، متوقفًا عند ظهور آليتي الإجماع والقياس بعد وفاة الرسول ﷺ استجابةً للنوازل التي لم يرد فيها نص صريح، ومبرزًا إشكالية التوازن بين العقل والنقل في بناء المعرفة الفقهية.
وتطرّق الدكتور عبد الواحد الوزاني، أستاذ بكلية الشريعة بفاس، إلى جدلية العلاقة بين الحديث والعمل في خطاب البدايات، مؤكدًا أن العمل يُعد سنة عملية متواترة، وأن فهم السنة لا ينفصل عن الممارسة الجماعية للأمة في مراحلها الأولى. وناقش الأستاذ علي اسعاعو موضوع تنزيل الأحكام في ظل التحولات الرقمية، مبرزًا الانتقال من فقه الواقع المادي إلى فقه الواقع الرقمي، وما يفرضه ذلك من تجديد في آليات الاجتهاد واستيعاب المستجدات التكنولوجية.
وتناول الأستاذ الدكتور مصطفى الصادقي الخطاب الفقهي وامتدادات المنهج من خلال نموذج الفقه السياسي، حيث أبرز أهمية إدراك المصالح المرسلة والحاجة إلى تطوير بعض مباحث أصول الفقه بما يضبط القدر الذي يحتاجه الفقيه في بذل الوسع، معتبرًا أن ما يسمى بالفقه السياسي لا يعدو في كثير من صوره محاولة لأسلمة النموذج الغربي. وتوقف الدكتور أحمد الفلوسي عند تاريخ الفقه المالكي بالغرب الإسلامي، مستعرضًا سياق ظهوره والعوامل التي أسهمت في ترسيخه وتمكينه داخل المجال المغربي والغربي الإسلامي.
وناقش الأستاذ رضوان العمراني مسألة مراعاة الفروق الفردية في الفقه الإسلامي بين التنظير والتنزيل الاجتماعي، من خلال قراءة في نماذج فقهية وتراثية أبرزت المكانة التي يوليها الفقه الإسلامي لهذه الفروق في تشريع الأحكام، مع عرض نماذج تطبيقية لذلك. وتم التأكيد في هذا السياق على أن تنزيل الأحكام على الوقائع، إلى جانب مراعاة الفروق الفردية، يستلزم اعتبار العرف والعادة، وهو ما عالجه الأستاذ الباحث بغيت البلغيتي من خلال إبراز أهمية العرف والعادة باعتبارهما أداتين منهجيتين أساسيتين في عمل الفقيه.
وتناولت الأستاذة حفيظة اسرتين علاقة الفقه الإسلامي بالنوازل المستجدة وحركية المجتمع، مقدّمة قراءة في كيفية مواكبة الفقه للتحولات الاجتماعية والاقتصادية، مع التوقف عند بعض التطبيقات المعاصرة، من بينها حكم المرابحة للآمر بالشراء. واختُتمت المداخلات العلمية بورقة قدّمتها الأستاذة حنان جطيوي حول أسس التقليد الفقهي، حيث استعرضت منظومة القواعد المؤسسة له، ومن بينها الأساس الاجتماعي والمعرفي، وأساس المشاركة المجتمعية.
وفي ختام أشغال الندوة، تضمّنت الجلسة الختامية كلمات للجنة التنسيق ولعدد من الأساتذة المشاركين، جرى خلالها التنويه بحسن التنظيم وجودة التنسيق، وبما طبع الندوة من نقاش علمي رصين وتفاعل أكاديمي يعكس الدور الذي تضطلع به المؤسسة الجامعية في تجديد البحث الفقهي ومواكبة قضايا العصر.

