المفكر العربي على الشرفاء يفند أكاذيب الجماعات الإرهابية ويطالب بالعودة إلى الخطاب الالهى

المفكر العربي على الشرفاء يفند أكاذيب الجماعات الإرهابية ويطالب بالعودة إلى الخطاب الالهى

أســــــــــــامة إبــــــراهيم .. كــــــاتب وإعــــــــــــــــــلامي
عضو مجلس أمناء مؤسسة رسالة السلام العالمية

تأملت كثيراً في مضمون كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، للباحث والمفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، وهو بمثابة دعوة إلى التحذير من أحد أخطر العلل التي أصابت مجتمعاتنا الإسلامية على مدار قرون طويلة مضت، تتمثّل في خطاب ديني مشوّه ومغلوط، في مقابل إبتعاد المسلمين عن الخطاب الإلهي الأصيل المتمثل في القرآن الكريم ويحمل بين آياته البينات مبادئ التسامح والمساواة والرحمة.

من بين الأسباب التي يوضحها المفكر العربي الأستاذ علي الشرفاء، ذلك التفسير المغلوط للقرآن والذي كان له أكبر الأثر في ظهور ما يطلق عليه الجهاد الإسلامي في العصور الحديثة.
وعندما نطالع التصريحات التي يطلقها "الإرهابيون" بين الحين والآخر، نجد أنه في مجملها تتمسح بالإسلام لتبرير تصرفاتهم الدموية قائلين بأنها من الجهاد الذي يدعو إليه القران، زاعمين أن الإسلام يجيز استخدام العنف كوسيلة للدفاع عن النفس وللدفاع عن دين الله في المجتمعات الإسلامية.
ويوضح الكتاب  أن المسلمين في وقتنا الراهن يواجهون تفسيرَيْن متناقضَيْن للقرآن- أحدهما ينسجم مع جوهر الدعوة الإسلامية للسلام والمساواة والتناغم الاجتماعي، والآخر مبني على التفسير الخاطئ للنص الإلهي ويخضع للأهواء الشخصية للأفراد والجماعات بهدف الترويج لأفكار معينة تخدم أهدافهم وأغراضهم.
وينطلق الفكر الإرهابي في تصوراته الخاطئة على مبدأ الاجتهاد الذي نص عليه القرآن، يُبرز الإرهابيون نصوص القرآن التي تتحدث عن العنف وعن التمسك بالدين في تفسيراتهم الدينية ويقدمونها للناس على أنها قاعدة يبررون بها اللجوء إلى العنف المفرط.
ولعل من هنا فقد كان أهم ما ورد في كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، هو التفريق بين الخطاب الإلهي والخطاب الديني. فالخطاب الإلهي- حسبما يوضح المؤلف- هو النص القرآني الأصلي الذي يدعو إلى العدل والتسامح والمساواة ونبذ العنف. أمَّا الخطاب الديني فمجرد تأويلات مجتزأة من الخطاب الإلهي، وآراء مرجعيتها الصحابة وأحداث تاريخية تلقَّفَها المغالون في عصرنا الحالي واستنبطوا منها أحكامًا تبرر القتل والتدمير واستعباد النساء بما يحقق مصالحهم وأغراضهم الشخصية.
يتضمن الكتاب أيضاً قضايا ذات أهمية كبيرة، منها الصراع السُنِّي الشيعي الذي نشب بعد وفاة الحسين، ولجوء مثيري الفتنة من واضعي الإسرائيليات إلى روايات باطلة ومرجعيات متناقضة، مما أدى إلى تأجيج الصراع الطائفي بين شِقَّي الأمة فكلفها ثمنًا باهظًا على مدار التاريخ.
ومن بين أخطر المسائل التي تناولها المفكر العربي الأستاذ علي الشرفاء إساءة البعض لمصطلح "تجديد الخطاب الديني"، حيث ذهب البعض إلى أن ذلك يُعدُّ دعوة لتغيير النص الإلهي. ويعود السبب في ذلك إلى طغيان خطابات شيوخ الدين على مشهد الدعوة لتجديد الخطاب الديني. ومن ثم يؤكد المؤلف ضرورة تصويب المصطلحات بحيث يطلق "تصويب الخطاب الإسلامي" وليس مجرد التجديد.
كما تناول المفكر الأستاذ علي الشرفاء في هذا الكتاب ما يمكن أن نسميه بـ "قصور الخطاب الديني"، أي اقتصاره على أمور العبادات الأساسية وعدم التفاته إلى الأمور الحياتية المهمة من المعاملات المختلفة التي ترتقي بها الأمم.
ويسلط المؤلف الضوء على مسألة تشويه الإسلام وكيف استغل المتطرفون في الغرب ذلك في بث سمومهم المعادية للإسلام وفي نشر كراهيته بين شعوب الغرب خاصة.
وعلاوة على تأثير الخطاب الديني المشوه على المسلمين والإسلام في الغرب، يشير الأستاذ علي الشرفاء إلى خطر ذلك الخطاب على المسلمين في أرض الإسلام، حيث يؤكد على أهمية تنقيح التراث الإسلامي من الإسرائيليات والأحاديث الموضوعة التي تلهي المسلمين وتستنزف طاقاتهم نتيجة الدخول في صراعات مذهبية وسياسية لا طائل منها.
يوضح المؤلف أن جوهر الإسلام سمح على مدار عقود طويلة بالتعددية، بل وشجع عليها، وهو الأمر الذي تنكره الجماعات الدينية بمختلف مسمياتها. وربما كانت تلك التعددية هي أحد أسباب تعدد مذاهب المسلمين كما نراها اليوم، وذلك بسبب إدراك علماء المسلمين أنه ينبغي مؤامة رسالة الله بحسب الزمان والمكان. لكن الجماعات الإسلامية المتطرفة قامت في الواقع بتسييس الدين من خلال اتباع فهم ملتوٍ للشريعة.
فليس في الإسلام ما يمنع أن يقرر الفرد كيفية اتباع دينه بمحض إرادته بغض النظر عن تطابق ذلك مع رأي ما يطلق عليه جمهور العلماء أو مع رأي الأقلية منهم. ويضيف الكاتب أن التفسير الصحيح للإسلام من شأنه أن يسمح للمسلمين بالتعايش السلمي مع غيرهم على أساس من المساواة.
كما يشير المؤلف إلى مدى سهولة إساءة تفسير النص الإلهي، وأن هناك عدة طرق تستخدم في إخراج النص الإلهي عن مضمونه الصحيح. ويأتي على رأس تلك الطرق اجتزاء النص. فلا يتطلب الأمر سوى انتقاء جملة أو جزء منها حسب الهوى وحذف النص المحيط بها من أجل الوصول إلى حكم معين.
ومن تلك الطرق أيضًا التعامل مع النص الإلهي باعتباره جملًا أو عبارات منفصلة، على الرغم من أن القرآن كتاب واحد ترتبط آياته ببعضها البعض وتفسِّر الآياتُ بعضها بعضًا.
ومن أهم طرق العبث بالنص الإلهي كذلك مبدأ نسخ بعض النصوص الإلهية الأخرى. وقد استُغل هذا المبدأ في القول بنسخ آيات القتال لعشرات من الآيات التي تدعو للتسامح والعفو والعيش السلمي مع أصحاب الأديان الأخرى.
ومن تلك الطرق أيضًا اللجوء إلى الأحاديث التي تُنسب كذبًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي تتضمن أقوالًا وأفعالًا نُسبت إلى النبي وهو منها براء.
ومن الأمور المثيرة للاهتمام فيما يتعلق بأكثر النصوص التي يتم إخراجها عن مضمونها للتدليل على دعوة النص الإلهي إلى العنف وإلى الطبيعة العنيفة لآياته، هو فراغ هذا التفسير وتلاشيه بمجرد إلقاء نظرة سريعة على سياق النص والآيات المحيطة به، وعلى أسباب نزول الآية ومرجعتيها التاريخية. ولا يتطلب التفسير الصحيح للآية سوى قراءتها كاملة أو قراءة الآيات السابقة أو التالية لها، فعندها يتضح أن الآية لا تدعو مطلقًا إلى العنف.
وقد خص الكاتب بالذكر أكثر النصوص القرآنية والموضوعات التي يساء تفسيرها وكيفية تشويه تلك النصوص وتحريفها للخروج بها عن معناها الحقيقي، بل وربما وصل الحد إلى القول بعكس معناها تمامًا.
ويأتي الجهاد والدعوة إلى قتل الأعداء والتنكيل بهم على رأس تلك الموضوعات التي يتناولها الشرفاء في كتابه. وقد سعى المؤلف إلى دحض التفسيرات الخاطئة التي تسوقها الجماعات المتشددة لتبرير ما يقومون به من قتل وسفك للدماء بقوله إن القران قد نظّم استخدام الجهاد وربطه بغيره من جوانب الشريعة الأخرى.
ومن الأمور الأخرى المهمة التي تناولها كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» وضعُ المرأة في الإسلام. فقد شوّهت الجماعات الإرهابية النصوص الإلهية الخاصة بالمرأة وأحلَّت محلها مبادئ قلّلت من شأنها. والممعن للنظر فيما يقوله هؤلاء بحق المرأة يجده مستوحى من التقاليد والأعراف ولا يمت للنصوص الإلهية الأصلية بصلة.
ومن هنا يرى مؤلف الكتاب الأستاذ علي الشرفاء أنه من الضروري أن نقف في وجه تلك النسخة المشوّهة من الدين، وذلك من خلال العودة إلى التعاليم الأصيلة والحقيقية للنص الإلهي، وإلى المبادئ الحقيقية للإسلام، والتي تقوم على السلام والتسامح والمساواة وتتفق تمامًا مع مبادئ حقوق الإنسان.
وقد دعا المؤلف إلى اتباع القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية الشريفة التي تتفق معه، وذلك من أجل رأب الصدع الذي أدى إلى انقسام الأمة. وشدَّد على أنه ينبغي على الدعاة الالتزام بالخطاب الديني الذي يتفق مع النص الإلهي، مما يسهم في وحدة الأمة ونهضتها.
ويخلص مفكرنا العربي الكبير إلى أنه لا سبيل للمسلمين من الخروج من النفق المظلم الذي عشناه ونعيشه اليوم إلا بالعودة للخطاب الإلهي نستمد منه النور الذي سيضيء به عقولنا وترتقي معه نفوسنا تمتلئ بالرحمة والمحبة والعدل، ويدعونا إلى أن نستلهم من كتاب الله سُبُل السلام ونستوعب مراد الله من آياته لخلقه عيشًا هنيئًا وسعيًا مشكورًا وطاعة مقبولة وأجرًا عظيمًا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من عمل صالحًا واتقى الله واتبع هداه.