نحب الهلس لان الروح حين تثقلها الحقائق تبحث عن نافذة هواء والهلس هو تلك النافذة التي لا تسأل الداخل عن اسمه ولا تفتش جيوبه ولا تطالبه بتبرير وجوده هو استراحة قصيرة من صرامة المعنى ومن قسوة الاسئلة الكبرى التي لا تملك اجوبة جاهزة
نحب الهلس لان العقل حين يرهقه النظام يحن الى الفوضى الجميلة فالهلس فوضى بلا دماء وعبث بلا ثمن ظاهر هو تمرين على الخفة في عالم يصر على الجدية حتى الاختناق
نحب الهلس لان الواقع صار ثقيلا واللغة صارت محملة بالخطب والوعود والشعارات والهلس لغة خفيفة لا تدعي الحكمة ولا تزعم النبوغ تضحك ثم تمضي بلا وصايا
نحب الهلس لان فيه نوعا من التمرد الصامت تمرد على القوالب وعلى الادوار المفروضة وعلى صورة الانسان الرزين الذي يجب ان يكون عاقلا طوال الوقت كأن العقل لا يستريح الا اذا خالف نفسه
نحب الهلس لان الضحك العابر قد يكون اصدق من خطاب طويل ولان السخرية احيانا ارحم من المواجهة المباشرة ولان المزاح قد يقول ما تعجز عنه الخطب والمنابر
نحب الهلس لاننا نخاف ان نعترف بتعبنا صراحة فنلجأ الى الضحك ونختبئ خلف النكتة ونواري الانكسار بابتسامة عريضة فالهلس قناع هش لكنه صالح للبقاء
نحب الهلس حين يختلط بالحكمة دون ان يشعر بنا احد حين يمرر فكرة عميقة في ثوب بسيط ويقول الحقيقة وهو يضحك فلا يعاقبه احد ولا يصنفه احد
لكن الخطر ليس في حب الهلس بل في الاقامة الدائمة فيه حين يتحول من استراحة الى اسلوب حياة ومن تنفيس الى هروب ومن ضحك الى فراغ عندها لا يعود الهلس خفيفا بل يصبح ثقلا جديدا
نحب الهلس لاننا بشر نضعف ونضحك ونهرب ثم نعود والمعنى ليس ان نقتل الهلس بل ان نعرف متى نضحك ومتى نصمت ومتى نعود الى الجد وقد تعلمنا كيف
مجدى طنطاوى يسأل لماذا نحب الهلس؟

