لا للتمييز في التعليم: قراءة في أزمة التعليم الخاص في موريتانيا

الموريتاني : شهدت موريتانيا مؤخرًا تطورًا لافتًا في سياق العلاقة بين وزارة التربية و إصلاح نظام التعليم والتعليم الخاص، وذلك إثر مظاهرات قادتها نقابات التعليم الخاص تحت شعار “لا للتمييز” و تأتي هذه التحركات احتجاجًا على قرار الوزارة القاضي بمنع المدارس الخاصة من تدريس السنوات الثلاث الأولى من التعليم الابتدائي، ثم العدول المفاجئ عن هذا القرار بالسماح لبعض المدارس الخاصة بالقيام بذلك، مما أثار موجة من التساؤلات والانتقادات. من أجل فهم واضح سنطرح بعض التساؤلات ونجيب عليها عبر هذا المقال المختصر.

هل مطلب المساواة قانوني أم اقتصادي؟
يرى العديد من الفاعلين في التعليم الخاص أن قرارات الوزارة تفتقر إلى الوضوح والمساواة، حيث تم منح رخص لتدريس السنوات الثلاث الأولى لعدد محدود من المدارس دون غيرها. بالنسبة للنقابات و يُعد هذا تمييزًا صارخًا ينتهك مبدأ العدالة القانونية، ويُظهر تعاملًا غير متكافئ مع القطاع الخاص. ولكن في المقابل يجب الإنطلاق من التساؤل التالي: هل تسعى جميع المدارس الخاصة فعلاً من خلال التظاهر إلى المشاركة الفعالة في تنمية التعليم أم أن الغاية الأساسية هي دعم إيراداتها المالية؟
ترى النقابات أن المساواة في تطبيق القانون تُعد ضرورة لا يمكن التنازل عنها، بغض النظر عن النوايا. وعليه، فإن منح التراخيص لبعض المؤسسات دون الأخرى يمثل تحديًا لمبادئ الديمقراطية والحوكمة الرشيدة التي قطعت موريتانيا أشواطًا كبيرة في ترسيخها​

هل واكبت الحكومة تحديات القرار؟
إن القرار الأولي للوزارة بمنع تدريس السنوات الثلاث الأولى في المدارس الخاصة كان يستهدف تعزيز مكانة المدرسة الجمهورية، إلا أن الواقع يفرض تساؤلات حول مدى جاهزية البنى التحتية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من التلاميذ. وهنا سستتفقون معي في أن قطاع تعليمنا النظامي يعاني من نقص حاد في الفصول و الكوادر التربوية، والدعم الفني، مما يعيق تحقيق أهداف هذا القرار بالشكل المطلوب و بالتالي يجب إعادة النظر في آلية تنفيذه و البدء، مثلا، بمنع المعلمين في التعاقد أو العمل في المدارس الخاصة. و لا أرى عيبا في إشراك آباء التلاميذ أو حتى تعبئة المجتمع المدني بشكل عام في المساهمة المادية البسيطة، كل حسب جهده.
وفي ظل غياب خطط واضحة للتوسع في المدارس النظامية أو تحسين جودة التعليم فيها، يبدو أن القرارات الحكومية تُنفذ دون دراسة شاملة للآثار المترتبة عليها، ما يُضعف من فعاليتها ويخلق أزمات جديدة. وقد حذرت  النقابات من أن هذه الخطوات تهدد الوحدة الوطنية وتزيد من الفجوة بين فئات المجتمع​.
.
خطورة التمييز في القرارات التربوية
تمثل مثل هذه القرارات خطورة كبيرة على النسيج الاجتماعي، إذ تُظهر تناقضًا بين المعلن والمطبق. ففي حين تسعى الحكومة لتعزيز المساواة ومحاربة التمييز، تفتح هذه السياسات الباب أمام احتكار بعض المدارس الخاصة لتدريس السنوات الأولى، مما يثير مخاوف من تأثيراتها السلبية على الديمقراطية والنظام التعليمي.

الحلول الجدية والعاجلة
للتعامل مع هذه الأزمة، من الضروري أن تتبنى الحكومة حلولاً شاملة تعالج جوهر المشكلة بدلًا من معالجة أعراضها فقط ومن بين أبرز هذه الحلول:
توحيد المعايير القانونية: على الوزارة أن تلتزم بمبدأ المساواة في منح التراخيص لجميع المدارس الخاصة، وفق شروط واضحة تضمن العدالة وعدم التمييز.
تعزيز التعليم النظامي: ينبغي الاستثمار في بناء مدارس جديدة، تحسين البنية التحتية، وتدريب الكوادر التعليمية لضمان تقديم تعليم عالي الجودة لجميع التلاميذ.
مراجعة السياسات التعليمية: تطوير رؤية تعليمية شاملة تشارك فيها جميع الأطراف المعنية، بما يضمن توافق القرارات مع احتياجات الواقع الموريتاني.
تعزيز الرقابة: تطبيق قوانين صارمة تمنع تجاوزات المؤسسات الخاصة أو استغلالها الثغرات القانونية لتحقيق أرباح مالية على حساب الجودة التعليمية​

إن هذه الأزمة  تُظهر أن في بلادنا تداخلًا معقدًا بين الأهداف القانونية والاقتصادية، وتتطلب مقاربة شاملة تُراعي جميع الأطراف وتسعى إلى تحقيق العدالة في تطبيق القوانين وضمان جودة التعليم للجميع والذي يمثل بدوره   حجر الزاوية في مسار التنمية الوطنية. أرى أنه من خلال حوار وطني صادق وإصلاحات جادة، يمكن لبلدنا أن يتجاوز هذه الأزمة بما يحقق مصالح لجميع أبنائها.

الكاتب: محمد محمود آبيه (مهتم بالشأن المحلي)
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى