غريبٌ عند بوابات السياسة /ذ.محمد حويه
الموريتاني : في صخب الساحة السياسية، حيث تتراكم الأسماء وتتزاحم الوجوه حول مكاسب عابرة، يقف شابٌ غريب. ليس غريبًا لعجزٍ أو قلة حيلة، بل غريبٌ برؤاه المتفرّدة، بطموحٍ لا تحدّه المصالح الصغيرة، وبإيمانٍ أن السياسة في أصلها رسالة سامية، لا مهنة للمقايضة ولا لعبة تُدار تحت طاولات المصالح …
حاول أن يدخل من أبوابها الواسعة، حيث يُحتفى بالمتملّقين وتُفتح الطرق أمام الذين يبيعون المبادئ بثمنٍ بخس ، لكنه وجد الأبواب موصدة و أن المفاتيح مخصصة لمن أتقنوا لغة الفردانية و استمتعوا بصخب و ضجيج الصراعات ..!
وقف أمام هذه الأبواب، لا منكسراً ولا يائساً، بل شامخاً ثابتاً ، و هو يعلم في قرارة نفسه أن النور لا يعرف التوقف ، قناص للفرص يتسلل مخترقاً من شقوقٍ ضيقة حين تنغلق الفتحات الكبرى …
اختار ذلك الشاب أن يبدأ من فرجاتٍ صغيرة بالكاد يُرى منها الضوء، وذلك لقناعته الراسخة أن الفكر النقي كالنور، يكفيه شعاعٌ واحد ليتسع …!! فتسللت منه رؤاه الشاملة و أفكاره الوطنية ، و طرحة الذي لا يخضع لمساومة ولا يرضى أن يكون جزءًا من لعبة التنازلات الرخيص…
لم تكن غربته عن السياسة غربة جسد، بل غربة وغرابة نهج ، نهج يرفض المزايدة على الوطن و المواطن ، ويرى في الاختلاف صدقًا، وفي الإخلاص مسارًا طويلًا لا يزهر في عجالة …
ورغم ما لاقاه من تجاهلٍ وصمتٍ، ظل يؤمن أن الطريق الأصدق وإن طال أو تأخر، سينتهي به حيث يصبو : عند خدمة وطنٍ يستحق منه التضحية، وتحقيق حلم و أملٍ لا يخبو مع الرياح ..
إلى الذين يقفون في الظل، ينتظرون أدوارهم في طابور الأحلام، إلى الذين تمنعهم الأبواب المغلقة من ولوج الحقل الكبير، لا تحزنوا …! السياسة لا تُقاس بصخبها، بل بأثرها .. اصبروا وامنحوا النور و الألق وقتًا ليجد طريقه ، فالفرجات الصغيرة دوما ما تصنع بدايات جميلة لخلق المساحات الكبرى، وما غاب عنكم اليوم، سيشرق غدًا بعظمة أحلامكم، وبثبات خطواتكم..
والسياسة مهما تعاظمت حواجزها ، فستبقى زمناً يُهدي المجد للصادقين، ويكشف زيف العابثين ، فاصنعوا لأنفسكم مكانًا يسع صدوركم و يتسع لطرحكم الوطني النبيل ، و يليق برقي ما تحملون من زاد فكرٍ وفهمٍ وتصالحٍ ….