الردود السياسية على جلسات الاستجواب: هل هي تصفية حسابات أم محاسبة فعلية؟
تتواصل جلسات الاستجواب التي يخضع لها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من طرف محكمة الاستئناف في ما بات يعرف بـ “ملف العشرية”، وهو الملف الذي يتضمن اتهامات بالفساد والاختلاس واستغلال النفوذ خلال فترة حكمه التي امتدت من 2009 إلى 2019.
وتشكل هذه الجلسات محورًا ساخنًا في الساحة السياسية الموريتانية، حيث يتابعها الرأي العام بشغف لمعرفة تفاصيل هذه القضية وأبعادها السياسية والقانونية.
تفاصيل جلسة اليوم الأربعاء
في جلسة اليوم الأربعاء، التي استؤنفت ضمن إطار التحقيقات الجارية، أدلى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بتصريحات جديدة أضافت مزيدًا من التعقيد للقضية.
حيث قال إنه في اليوم الأخير من ولايته الرئاسية، تسلم مبلغًا قدره عشرة ملايين بين اليورو والدولار من الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الدفاع في حكومته، وقام بتسليمه هذا المبلغ شخصيًا. وذكر ولد عبد العزيز أن غزواني وصل إلى القصر الرئاسي في سيارته الخاصة، وكان يحمل حقيبتين تحتويان على المبلغ المذكور، وطلب منه إنزالهما عبر عناصر الأمن الرئاسي.
وأكد ولد عبد العزيز أن هذه الأموال تم تسليمها له بعد أن قام بتصريح بممتلكاته أمام المحكمة العليا في نهاية مأموريته الرئاسية، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول طبيعة هذه الأموال ومدى شرعيتها.
كما أضاف الرئيس السابق أن غزواني أكد له أن المبلغ جزء من الأموال المتبقية من الحملة الرئاسية لعام 2019، وأنه كان من المقرر استخدامه في تمويل الحملات الانتخابية المقبلة.
وصرح ولد عبد العزيز أنه طلب فتح تحقيق رسمي بشأن هذه الأموال.
اتهامات الرئيس السابق
في إطار دفاعه عن نفسه، قال الرئيس السابق إنه كان ضحية “مؤامرة كبيرة” هدفها تشويه سمعة حكمه وتشويه صورته أمام الرأي العام الوطني والدولي.
وأضاف أنه كان مستهدفًا من قبل قوى سياسية وصحفية رأت في شخصه مصدرًا للتهديد، مشيرًا إلى أن هذه الحملة شملت الصحافة المحلية، حيث تم دفع ملايين الأوقيات لشراء اقلام المدونين والصحفيين لشن حملات إعلامية ضده.
وركز ولد عبد العزيز على قضية “هيئة الرحمة” التي كان يديرها نجله الراحل أحمد ولد عبد العزيز، مؤكداً أنه لا تربطه أي علاقة مباشرة بتلك الهيئة.
وقال إنه لا يعرف تفاصيل حول نشاطاتها المالية والإدارية، نافياً أن يكون قد استفاد من أية أموال مرتبطة بها.
التداعيات السياسية والاجتماعية
هذه التصريحات أثارت ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية والإعلامية، حيث اعتبرها بعض المتابعين محاولة من الرئيس السابق للتنصل من المسؤولية، في حين يرى آخرون أنها تكشف عن صراع خفي بين الرئيسين السابق والحالي. فمن جهة، يعكس هذا الصراع توترات بين الأجنحة السياسية داخل النظام، حيث يرصد المتابعون تباينًا في الأساليب والأجندات بين الرجلين، خاصة في ما يتعلق بإدارة الملفات الاقتصادية والسياسية خلال وبعد فترة حكم عبد العزيز.
من جهة أخرى، يعكس ملف العشرية بشكل عام التوترات المتزايدة بين السلطة الحالية ورموز النظام السابق.
ويعتبر البعض أن محاكمة الرئيس السابق تمثل جزءًا من استراتيجية لتصفية الحسابات السياسية، في حين يرى آخرون أن الملف يفتح المجال لمحاسبة أي مسؤول قد أخل بواجبه في تسيير المال العام.
ختاما
تستمر جلسات الاستجواب في محكمة الاستئناف في كشف المزيد من التفاصيل حول فترة حكم محمد ولد عبد العزيز، والتهم الموجهة إليه في ما يعرف بملف العشرية.
وعلى الرغم من أن هذه الجلسات تثير الكثير من الجدل السياسي والإعلامي، فإنها تبقى خطوة حاسمة في تحديد مصير الرئيس السابق ومواجهة أسئلة كبيرة حول الحوكمة والشفافية في موريتانيا.