بين الوداع والترحيب / عثمان جدو
بين وداع الرئيس السابق: محمد ولد عبد العزيز والترحيب بالرئيس المنتخب: محمد ولد الشيخ الغزواني؛ هناك نقاط بارزة يجب التوقف عند بعضها، إنصافا للرئيس السابق واحتراما لعقول المواطنين، قراء وسامعين.
إن من أهم ما يذكر بعد الرئيس هو آخر الأحداث والوقائع التي خَتم أو خُتم بها حكمه، لا يهم التفسير وكثرة القراءات والتأويل بقدر ما تهم النتيجة والمآل.
يذكر للرئيس احترامه للمواد المحصنة من الدستور وعدم المساس به من هذه الزاوية –على الأقل- وهو الذي تعرض لفتنة كبرى حينما قامت *الكتيبة البرلمانية الشهيرة* بإيقاظ فتنة البقاء في الكرسي والاستمرار في السلطة؛ الذي يٌفضي حتما إلى الاستبداد والفتن والدمار كما هو مشاهد في كثير من بلدان العالم من حولنا، هنا يشكر للرئيس السابق احترامه لهذه المواد وعدم مجاراة كل تلك الدعوات، ووعده بعدم الترشح ووفائه بمقتضى ذلك، ولا يقل عن موقف الرئيس السابق هذا أهمية ذلك الموقف الذي ظهر عليه نواب المعارضة وبقية من طيف الموالاة، بالإضافة إلى كل من كتب أو صرح ونادى بأهمية احترام الدستور وضرورة التناوب السلمي على السلطة، وكان من هؤلاء من ظهر مع الأيام أنهم أشد حبا للرئيس السابق وللبلاد ممن كانوا يحاولون الدفع به نحو مجهول المغامرة.
الرئيس السابق رغم تأييد الكثيرين له واختلاف آخرين معه؛ أنجز مشاريع كبرى للبلاد، وتولى الحكم في فترة من أصعب الفترات؛ حيث البلدان العربية يمزقها ربيعها الصائف، والبلدان الإفريقية تعيش ذات الوقت على وقع الانقسام الداخلي والتناحر القبلي والانفلات الأمني، ولم تسلم من هذا الواقع المزري الذي عاشته دول المنطقة – عربية أو إفريقية – الدول الأوروبية التي شكلت الوجهة المفضلة والملاذ المنشود للفارِّين من نار الحرب ودمار البلدان وكابوس المجاعة.
لقد كان الرئيس السابق والحكومات التي تولت تسيير شأن البلاد في عهده عنصرا هاما في معادلة الأمن الإقليمي والدولي؛ ولا أدل على ذلك من ريادة البلاد ودورها الفعال في أمن الساحل، وقبل ذلك ما ظهر جليا من فعالية المقاربة الأمنية الوطنية ضد العصابات المسلحة والهجرة السرية وكل نشطاء الجريمة العابرة للحدود.
صحيح أن بلادنا عانت كثيرا من مشكل البطالة الذي يؤرق الشباب وارتفاع الأسعار الذي زاد من معاناة المواطنين وأرهق الدولة بفعل اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك؛ الذي مازلنا فيه أمة مستهلكة، تطلب وتستورد، ولا تنتج أو تصدر، كل ذلك جعلنا تبعية لا نتحكم في الأسعار، وعجزنا عن تفكيك هذه العوائق؛ حيث ظلت البطالة تزداد رغم الجهود المبذولة، وظلت الأسعار في زيادة رغم دعم بعض المواد؛ الذي ظل إجراء جزئيا؛ لا يستطيع اقتلاع الأزمة أو إذابتها كليا.
لقد شهدت بلادنا في عهد الرئيس السابق إنجاز مشاريع خالدة، باقية للشعب الموريتاني، انتهى حكم الرئيس عزيز ورحل وبقي ضبط الحالة المدنية بطريقة بيومترية شاهدا على تحول كبير ومنعطف هام أحدث القطيعة مع عهود اللامبالاة وضياع الهوية، غادر الرئيس السابق السلطة ولم يرحل المطار أويُطوى ولا قصر المؤتمرات *المرابطون* ولا مشروع أظهر، ومشاريع الطاقة والمنشآت الأخرى، أصبح بالإمكان تركيب الجملة التالية: *صنع في موريتانيا* مصنع الألبان ومصنع التمور والشركات الخصوصية لإنتاج المواد الاستهلاكية كالوطنية مثلا، صناعة السفن، تدوير بعض المواد الأولية، أصبحت كل هذه العبارات والدلالات شاهدة على حقبة زمنية، لا نقول أنها نقلت البلاد من مؤخرة الركب إلى مقدمته؛ لكنها قطعت به أشواطا يمكن التأسيس عليها، والرئيس المنتخب يملك القدرة والإرادة والمؤهلات ونرجو له البطانة الحسنة والاستعانة بالأوفياء كي يحقق مشروعه ويفي بتعهداته؛
تلك التعهدات التي ولدت تفاؤلا كبيرا وزاد حجم الأمل يوم التنصيب عندما جدد الرئيس المنتخب العهد وذكّر وتعهد من جديد..
لست من الذين يقولون أن موريتانيا عرفت رئيسين فقط ويذكرون الأب المؤسس المخطار ولد داداه ويختمون بالرئيس عزيز؛ لقناعتي التامة أن رؤساء موريتانيا السابقين جميعا كل منهم يستحق اللقب وتذكر له محامد مهما كانت المآخذ عليه، شأنهم في ذلك شأن المرحوم المخطار والرئيس عزيز، (لا يسلم أي من الرؤساء السابقين من العيوب كما لا تعدم منه المحامد).
لا شك أننا في الفترة الماضية تبوأنا مكانة خاصة على مستوى الدبلوماسية؛ بدأت بفض النزاعات وتسوية الخلافات في بعض دول الجوار؛ وتوجت باستضافة قمم كبرى كالقمة العربية والقمة الإفريقية؛ ولذلك دلالته الدبلوماسية ومغزاه الدولي، لكننا نتطلع إلى غد أفضل تكون فيه الدبلوماسية أنشط وأقوى تأثيرا، ويكون فيه الوضع الداخلي أكثر أمنا، وواقع المواطن المعيش أكثر رفاه، وتكون العدالة فوق الجميع، ونحدث قطيعة مع الماضي الذي أظهر لنا أن هناك من هم فوق القانون ومن هم تحته؛
نتطلع إلى غد أفضل تسود في الدولة المدنية بمؤسساتها وتختفي النعرات القبلية والتجاذبات الإثنية، ولن يكون ذلك دون الاستعانة بالكفاءات الوطنية التي تجسد ذلك؛ (الوطن مليء بهؤلاء)، ولا يعني هذا لعن الماضي بمن فيه أو رفض كل من تقادم في الوظيفة أو السن؛ وإنما يعني التركيز على قيمة الإنسان بناء على ما يقدمه (قيمة الإنسان ما يتقنه) *ومن بطّأ به أداؤه لا ينبغي أن يسّرِع به وهم جاهه*
نعول كثيرا على معرفة الرئيس بمفاصل الدولة وبرجالاتها، ونأمل كثيرا أن يكون التعليم مطيتنا القوية نحو بلوغ أهداف التنمية.