واحة معدن العرفان : نموذج للانسجام المجتمعي في قلب صحراء موريتانيا
في منطقة نائية تماماً في ولاية آدرار الموريتانية، تقع “واحة معدن العرفان”، على بعد 400 كيلومتر شمال شرق العاصمة نواكشوط، في بؤرة من العزلة التي تغلفها الرمال والصحراء.
إلا أن هذه المدينة، التي أسسها المرشد الروحي الصوفي محمد الأمين سيدينا في عام 1975، تمثل نموذجاً فريداً للانسجام المجتمعي والتعاون، يبعث على التفاؤل والدهشة.
وما يميز “واحة معدن العرفان” هو تعاليم مجتمعها التي تقوم على التعاضد والمساواة والأخوة والتسامح، وهي القيم التي زرعها مؤسس المدينة وما زالت حية رغم مرور أكثر من عشرين عاماً على وفاته.
وبالنظر إلى الممارسات اليومية في هذه الواحة، يمكن القول إنها لم تعد مجرد “مدينة فاضلة” خيالية، بل أصبحت نموذجاً واقعياً لمجتمع متكامل يعمل بروح من التعاون والتآزر.
يشير طه سيدينا، إمام في قرية واحة معدن العرفان، إلى أن “كل شخص يساعد الآخر، كل جار يساعد جاره”.
ويضرب مثالاً عملياً قائلاً: “إذا كنت من سكان بلدية المعدن وتريد أن تتعلم كيف تحفر بئراً، ستجد أن جميع السكان سيقدمون لك يد العون دون أن يطلبوا شيئاً في المقابل”.
هذه الروح التضامنية تساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي وتحقيق التقدم البطيء ولكن المستمر في المدينة.
على الرغم من التحديات التي تواجهها المدن الأخرى المجاورة، حيث يفقد الكثير من السكان مسقطاتهم، إلا أن “واحة معدن العرفان” تشهد ازدياداً في عدد السكان.
كما أن الأراضي الزراعية في الواحة تواصل التوسع، بفضل الرياح التي تدفع الرمال بعيداً، مما يوفر مساحة أكبر للزراعة في هذه المنطقة الصحراوية.
ويعتبر هذا التحول الزراعي علامة بارزة في قدرة سكان الواحة على التكيف مع بيئتهم الصحراوية القاسية وتحويلها إلى أرض خصبة تثمر خيرات متنوعة.
ومن خلال هذا المشهد المتناغم بين البشر والطبيعة، تبرز “واحة معدن العرفان” كواحدة من الأمثلة النادرة على النجاح في العيش المشترك في بيئة صعبة، مما يجعلها مصدر إلهام لمجتمعات أخرى حول العالم.