المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب: عِظة إلهية تسبق الآجال

الموريتاني : قال الله سبحانه وتعالى يُحذر الناس: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾ [الرعد: ١١].
لم يترك الله سبحانه عبده تائهًا في الدنيا، بل أرسل له الرسل ليُبيّنوا للناس طريق الحق المستقيم، وطريق الخير والسلام والتعاون والتراحم، والحكم بالعدل، وتحريم العدوان، وحماية حقوق الإنسان من أي اعتداء.
وحذّر الله سبحانه الإنسان من اتباع الشيطان، وأمر رسوله عليه السلام بأن يُبلغ الناس بأسلوب التعامل بينهم بالكلمة الطيبة وبالإحسان، حيث خاطب رسوله وأمره أن يُبلّغ عباده بمنهج الله سبحانه وتعالى.
وقد بلغ الرسول رسالة الله للناس حين نطق بقوله عن ربه:
﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾ [الإسراء: ٥٣]
فلله الحمد والشكر والمنّة، إنه لم يترك الناس يعيشون في ظلمة الدنيا، بل أرسل مصابيح تُضيء لهم النور، وتحمل معها خطابًا إلهيًا فيه شرعة الله ومنهاجه، ليعيشوا حياة طيبة، لا ظلم فيها ولا بغي ولا عدوان، متبعين خارطة الطريق الإلهية فيعمروا جنات النعيم في الأرض.
لقد وضع الله في خارطته الإلهية من الأحكام والقواعد ما لا يجعل في الحياة أناسًا جوعى ومحتاجين وفقراء ومساكين. فقد فرض الزكاة لكي تُحقق الاكتفاء الذاتي في المجتمعات الإنسانية، وحتى يشترك الفقراء والأغنياء في مال الله، الذي جعل الأغنياء مستخلفين فيه، يُؤدون الأمانة بصدر رحب، وإحساس من الجميع أنهم شركاء في بناء مجتمعاتهم على الخير والعدل والرحمة والسلام.
وحينها لن تجد من يطمع في مال غيره، ولا جارًا يرغب في ثروة جاره، ولا محتاجًا يضطر للعدوان على ممتلكات غيره. ذلك ما يُريد الله لعباده: جنة في الدنيا ونعيمًا في الآخرة.
ولكن للأسف، نجح الشيطان وأتباعه في خداع الناس بالروايات المُزورة والمكذوبة على الرسول الكريم، في مؤامرة شيطانية ليهجر المسلمون مرجعية القرآن، ويتركوا شعلة النور التي تُخرجهم من الظلمات إلى النور، ففقدوا البوصلة إلى خارطة الله التي تحميهم وتُحقق لهم الأمن والسعادة.
فاختار أكثرية المسلمون طريق الشيطان، بعد أن غُرِّر بهم، وأغفلوا عظات ربهم الذي يحضّهم على الخير والسعادة والسلام والإحسان، حتى استهزأ بهم الشيطان مغرورًا، قائلًا لهم:
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: ٢٢]
وهكذا، إذا جاء يوم الحساب، يجد الإنسان نفسه وحيدًا أمام المحكمة الإلهية.
ويعرض القرآن ذلك المشهد ليتذكر الناس ويأخذوا حذرهم قبل أن يأتي يومٌ لا تنفع فيه شفاعة الشافعين، إلا من أتى الله بقلب سليم، فيُبيّن الله سبحانه ذلك المشهد، فيقول:
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٧١]
فيا أيها الإنسان، إن باب الله مفتوح قبل أن يُوافيك الأجل، وقد أرسل الله سبحانه من رحمته ولطفه دعوة مفتوحة، يناديك بقوله الذي بلّغك إياه رسوله الأمين محمدٌ عليه السلام بتكليف من ربه:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: ٥٣]
فارجعوا إلى الله أيها المسلمون، قبل أن يحل الأجل، وقد سبق السيف العذل، فلا عودة إلى الدنيا بعده لإصلاح ما مضى بعد الممات.