تراوري الذي يصر على أنه تلميذ لسانكارا .. محمد ناجي أحمدو

توماس سانكارا (1949 – 1987)، أمجد اسم تسنم رئاسة بوركينا فاسو، فولتا العليا سابقا.
سانكارا، كان يحلو له أن يتلقب بجيفارا الأفريفي، والحقيقة أننا إذا قارنا بين جيفارا اللاتيني وجيفارا الإفريقي، سنجد مواطننا يختلف كثيرا عن الطبيب الأرجنتيني، الذي طلق الطب وتزوج الثورات.

كان الثائر الأممي أرنستو تشي جيفارا مولعا بالتنقل لنشر التعاليم الثورية الحمراء، ما إن تستوي ثورة على سوقها، حتى تراه يتعهد ثورة أخرى، ما زالت في طور الغراس والرعاية، من كوبا إلى الكونغو إلى أدغال بوليفيا.
ولم يكن الثائر اللاتيني يوما قائدا لمشروع، بل كان متطوعا عند الاقتضاء، وواضعا نفسه رهن إشارة الرفاق.
أما النسخة الإفريقية من غيفارا، توماس إيزيدور سانكارا، فقد كان مختلفا.
تولى السلطة عام 1983 في انقلاب عسكري، وكانت فولتا العليا (اسم فاسو القديم) واسطة العقد في الدول التي تتخبط في المشاكل والأزمات، حيث تعاني مجاعة كبيرة، وتعرف ارتفاعا هائلا لمعدل وفيات الأطفال.. إلخ.
جاء سانكارا الماركسي الأحمر، وخلق فيها نموذجا لليوتوبيا، كان الاستثناء في العالم شرقه وغربه، الحكام العسكريون الماركسيون اللينينيون كانوا حيثما ابتليت بهم الشعوب حكام حديد ونار، تتأخر البلدان في عهدهم قرونا، إن لم تحافظ على كونها عينة شاهدة على ما كان عليه الحال.
عندنا كيم إيل سونغ، وسيء الصيت أنور خوجة، وديكتاتور رومانيا نيكولاي اتشاوسيسكو، وحاكم الصومال محمد سياد بري، وقادة اليمن الجنوبي.
إلى جانب تجربة سانكارا يمكن أن تضع تجربة عبد الكريم قاسم (1958- 1963) القصيرة في العراق.
لدى وصوله للسلطة عمل سانكارا على تحقيق برامج اقتصادية طموحة وركز على التغيير الاجتماعي والاعتماد على الذات. سياسته الخارجية كانت تتمحور حول مناهضة ما يسميه “الامبريالية” – هو شيوعي أحمر-
كما تجنب المساعدات الخارجية، وأوقف التعامل مع مؤسسات بريتون وودز: صندوق النقد والبنك الدوليان.
على المستوى الداخلي حارب سانكارا الجوع في بلاده، وعمل جاهدا حتى تم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الزراعة، وكانت بوركينا – سانكارا أول بلد من بلدان القارة الإفريقية يحقق الاكتفاء الذاتي، بل ويزيد بامتلاك فائض زراعي.
كما قام بسياسة للإصلاح العقاري الزراعي، كانت مما أوغر عليه صدور البعض.
منح سانكارا العادل المنحاز دوما إلى قيم العدالة الاجتماعية الأولوية للتعليم، وقام بحملات لمحو الأمية في جميع أنحاء البلاد.
كما عزز الصحة العامة عن طريق تطعيم 2.5 مليون طفل ضد التهاب السحايا، والحمى الصفراء والحصباء..
وقرر غرس 10 ملايين شجرة من أجل إيقاف التصحر، وهو برنامج غير مسبوق في أفريقيا، إضافة إلى عشرات المنجزات الكبرى، في فترة كانت العهد الذهبي في بوركينا فاسو.
هذه رؤوس أقلام عن عمله لشعبه، أما عن نمط حياته فقد كان نموذجا لعمر بن عبد العزيز المعاصر، مع الفارق، في قصر الرئاسة لا تكييف، فقد كان الرجل يخجل أن يتمدد في أجواء التكييف، وشعبه لا يتمتع جميعه بخدمة النفاذ إلى الكهرباء.
يكفي أن تلقي نظرة على تركة الزعيم، لتخرج بانطباع عام عن نمط حياته، حيث ترك دراجة هوائية وسيارة قديمة وثلاجة معطلة وثلاثة غيتارات.
في 15 أكتوبر 1987، أمر صديق سانكارا، وخليفته بليز كومباوري مفرزة من الجنود باعتراض طريق الثائر، وأردوه قتيلا، وبعد ذلك قطعوه أشلاء ودفنوه، ليغيب قمر بوركينا فاسو، عن 39 سنة، هي نفسها عمر ملهمه الذي تجاوزه مدا وتأثيرا وإنجازا أرنستو جيفارا.
اليوم يحكم بوركينا فاسو شاب، ولد بعد مقتل سانكارا المأساوي بستة أشهر فقط، وهو يصر على أنه تلميذ لسانكارا، وأنه يستلهم منه المضاء والألق.
إبراهيم تراوري (37 سنة)، لا يعرف عنه اعتناق للفكر اليساري الماركسي، بل يقال إنه كان في الجامعة منتميا لتنظيم للشباب المسلم هناك.
تراوري تقاسم مع “قدوته” سانكارا، الهجوم اللاذع على فرنسا والاستعمار، غابت عبارات الإمبريالية والبروليتارية والبرجوازية وصراع الطبقات في الفترة الحالية بطبيعة الحال، فقد تبدلت الأرض غير الأرض.
إذا كان سانكارا قد نأى ببوركينا عن الخضوع في السياسة الدولية، وركز على تنمية البلاد، فإن مواجع ومصائب أربعين سنة من نزوات عسكر لم يستلهموا من معين سانكارا، لا تسمح لتلميذه بأن يركز كثيرا.
دخل تراوري في تحالف على بياض مع دولتين جارتين حبيستين مثل بلاده: مالي والنيجر، يحكمها نظامان انقلابيان مثله، وارتمى تماما في أحضان الدب الروسي الجريح جراء حرب أوكرانيا.
عبأ سانكارا الشعب للزراعة والتنمية والتعليم، وأعلن “تلميذه” عن تعبئة عامة للشعب لدعم الجيش، حيث واصلت قوات المتمردين زيادة معدل هجماتهما، بل تواردت أنباء، ومنها ما تحدثت عنه علنا حكومات في المنطقة، عن تحالف “التلميذ” مع مليشيا فاغنر، واستقدامها، عقب انقلابه على الرئيس السابق بول هنري سانداوغو.
غير أن إبراهيم تراوري نفى ذلك، وقال إن بوركينا يكفيها المتطوعون من أجل الدفاع عن الوطن، في إشارة إلى مليشيا أنشأها.
تواترت محاولات الانقلاب ضد حاكم واغا، وتقلصت الفترة الزمنية الفاصلة بينها.
وكان الرجل يمتلك حلولا غير نمطية لمطالب السياسيين والإعلاميين، كانت أجوبته على اعتراضاتهم عملية، حيث يوجههم مباشرة إلى الجبهة لمحاربة المتمردين.
لهج إعلام تراوري بتشبيه الرجل بالقائد – الومضة سانكارا، وتوالت الأغاني: لا تقتلوه كما قتلتم سانكارا.
وجيء بالناس من كل فج من بوركينا ليشهدوا اليوم “العالمي” لتأييد تراوري، في الثلاثين إبريل، أي يوم الأربعاء الماضي.
يصر تراوري وإعلامه وآلته البروباغندية على أن يكون سانكارا الجديد، والواقع ربما يقول العكس، أو يتحدث عن شبه غير تام، أو ملامح ربما تحيل إلى بليز كومباوري.
والمتابعون يشرئبون لحظيا إلى كل نبأة في أرض الرجال الطهارى (بوركينا فاسو) عل أن يروا سانكارا رأى العين، وسانكارا قطعه رفاقه الخائنون في يوم أغبر قبل ثمانية وثلاثين سنة.تراوري الذي يصر على أنه تلميذ لسانكارا..

زر الذهاب إلى الأعلى