خزعل أخو مزعل .. حكاية من القرن العشرين

محمد ناجي أحمدو
هل سمعتم بإمارة المحمرة، وأميرها خزعل بن جابر الكعبي؟
لا تذهبوا بعيدا في التاريخ، الحكاية أقرب من أن تفتشوا عنها في كتب المؤرخين مثل الطبري وابن خلدون وابن خلكان..
الأمير خزعل أُسر قبل مائة سنة من طرف أعدائه من أتباع شاه إيران، وعاش بعد ذلك إحدى عشرة سنة في السجن قبل أن يقتله الفرس عام 1936.
كان كريما قويا ودبلوماسيا ومحبا للنساء، وكان قصره بقية باقية من مرويات ألف ليلة وليلة الأسطورية، لنستمع إلى الأديب اللبناني أمين الريحاني (1876 – 1940)، وهو محب وموال للأمير خزعل، وقد زاره والظاهر من كتاباته أنه وصله بهبات سنية، يقول عنه في كتابه “ملوك العرب”: “تجيء المغنية من حلب أو الشام (يقصد دمشق) إلى المحمرة، وهي لا تملك إلا خلخالها فتقيم عدة أشهر في القصر وتعود غنية مثقلة بالحلي.
يجيء الأدباء والشعراء وفي جيوبهم قصائد المديح فيعودون من المحمرة وفي جيوبهم أكياس من المال”.
أما المؤرخ المصري المثقف الشامل محمد لطفي جمعة (1886 – 1953)، فإنه في كتابه “حياة الشرق.. دوله وشعوبه وماضيه وحاضره”، قد عقد فصلا تحت عنوان “مبارك الصباح وخزعل وسوء الذكرى”، جرد فيه حسامه على الصديقين اللذين كانا يتبادلان علائق الود والصداقة، وأرى أنه تحامل كثيرا، ولعل من أسباب تحامله على الأمير خزعل علاقات القصر الخديوي في القاهرة الوثيقة مع القصر البهلوي في طهران، التي رفدتها مصاهرة مشهورة.
قارن جمعة بين مبارك الصباح المؤسس الثاني لدولة آل الصباح في الكويت وصديقه الشيخ خزعل، ولم يعدم القواسم المشتركة بينهما، فكلاهما، حسب وجهة نظره، وصل السلطة بالدم، فمبارك تخلص من أخويه، وخزعل ربما أمر بقتل أخيه الأكبر مزعل ليخلو له العرش.
ووصف الرجلين بأنهما سياسيان ماكران يلعبان على مختلف الحبال، والحق أن ذاك الوصف ما فيه عيب، بل هو منتهى إجادة السياسة.
لم يكن محمد لطفي جمعة الوحيد الذي قارن بين الرجلين، فللدكتور عبد الله محمد الهاجري، وهو رئيس قسم التاريخ والآثار بجامعة الكويت مقال محكم تحت عنوان “مبارك الصباح وخزعل الكعبي (1896- 1915) م عوامل النجاح وتداعيات الانهيار – (دراسة مقارنة)”.
الأمير خزعل كان شخصية تتألف من شخصيات، “وكان شيعيًّا ولكنه يحب أهل السنة، ومسلمًا ويكرم النصارى واليهود والوثنيين، ويقرب القسيس ويصادق المبشر ويستفيد من محادثة البنَّائين الأحرار”، هكذا قال جمعة.
ولكن الريحاني يقول شاهدا وليس ناقلا: “إن من أجمل أزاهر الكرم في هذا العربي تساهله وهو شيعي المذهب، فهو يساعد في بناء كنيسة في بلاده لمنكوبي الكلدان، ويساعد في تأسيس محفل للماسون، ويفتح خزانته لراقصة أو مغنية كما يفتحها لأولي البر والإحسان من الطوائف كلها جمعاء. وهو على مقامه، بل بالرغم من مقامه، يميل دائمًا إلى ما فيه لهو أو تسلية أو فكاهة”.
وهو أيضا عند الريحاني واحد من أمجد ملوك العرب في عصره، وهو أكبرهم بعد الشريف حسين.
تحدثنا، باستفاضة حسب معايير قراء الفيسبوك، الذين يضجرون عند السطر الثاني عن خزعل، ورغم أننا لم نوفه حقه، وقد نعود له قبل نهاية الحديث بومضه، لكن لنتحدث قليلا، رغم ضجر القراء عن حاضنته.
ينتمي الأمير إلى قبيلة بني كعب العامرية القيسية، وبنو كعب هم الذين نوه بهم جرير، حين أراد أن يحط من قدر بني عمهم بني نمير:
فغض الطرف إنك من نمير.. فلا كعبا بلغت ولا كلابا.
ووجود هؤلاء في الأهواز أو الأحواز أو عربستان أو خوزستان، أسماء لمسمى واحد، قديم وسيادتهم فيها مؤثلة.
والوجود العربي بصفة عامة في الإقليم قديم جدا، فهذا جرير -نفسه للمفارقة- يعيب أحد مناصري الفرزدق، واسمه عكاشة العمي، نسبة إلى بطن من تميم ينمى لمرة بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، يعرفون ببني العم:
سيروا بَني العَمِّ فَالأَهوازُ مَنزِلُكُم.. وَنَهرُ تيرى فَلَم تَعرِفكُمُ العَرَبُ
الضارِبو النَخلَ لا تَنبو مَناجِلُهُم.. عَنِ العُذوقِ وَلا يُعيِيهِمُ الكَرَبُ
أما المحمرة، فقد حولها الفرس إلى خرمشهر، والقوم ذوو عصبية قومية قوية، إن في العصر الصفوي أو في عهد وراث الصفويين القاجاريين، أو في عهد بني بهلوي، وصولا إلى الجمهورية الإسلامية.
لنعد إلى الأمير خزعل، فقد تولى الملك بعد مقتل أخيه مزعل في حادثة غامضة، رجحت المصادر البريطانية، وقديما كان البريطانيون وإخوتهم المستعمرون يدسون أنوفهم في أي شيء، رجحت المصادر ممثلة في نائب قنصل المملكة المتحدة في البصرة أنه على علم بها، وقالت إنه كان مستعدا لتنفيذ الخطة ب في حال فشل المؤامرة، حيث سيتدخل لصالح أخيه.
كانت فترة حكم خزعل فترة رخاء، حيث اكتشف النفط في الإقليم العربي، وكان إلى جانب ما يدره من أموال، مبتدأ اللعنة التي حلت على الإمارة العربية اليتيمة شرق الخليج.
اعترفت الإمبراطورية الفارسية بإمارة المحمرة، ووقعت معها اتفاقا، ينص على استقلالها الداخلي التام، وعلى حريتها التامة في إدارة مجالها، وعلى وجود مندوب فارسي يتعلق دوره حصرا بتسهيل التجارة بين إيران وعربستان، وعلى دعم عرب الأهواز لإيران بالرجال عند دخولها في أي حرب.
كما وقعت الإمبراطورية الإنجليزية اتفاقا مع الأمير خزعل ينص على استغلال النفط مقابل امتيازات مالية ضخمة.
وكان خزعل كبير النفس يطمح لملك العراقيْن، لقد عمل جهده لكي يحكم من بغداد بدل المحمرة.
كما أقام علاقات مع سادة الشرق والغرب، زاره مفتي فلسطين آنذاك الحاج أمين الحسيني في المحمّرة للحصول على هبة لترميم المسجد الأقصى، فأعطاه تسعة آلاف روبية، كما حصل على وسام من بابا الفاتيكان.
قرر الفرس ذات يوم من عام 1925 وضع حد للسيادة العربية شرق الخليج، وأسروا خزعل، ثم سجنوه، قبل أن يقتلوه صبرا في محبسه بعد أحد عشر عاما من الأسر.
وبأسره انتهت دولة عربية كان لها شأنها وصيتها، هي إمارة بني كعب في المحمرة..
فهل عرفتم خزعل؟