بين اختلالات التعيينات وضعف الدبلوماسية غير اللفظية: ملاحظات حول اختلالين مقلقين/الولي سيدي هيبه

الموريتاني : خلال هذا الأسبوع، أتيحت لي الفرصة لقراءة مقالتين بحثيتين في غاية الأهمية، تناولتا موضوعين مترابطين من حيث خطورتهما وتأثيرهما على هيكلة الدولة ومكانتها على الصعيدين الوطني والدولي.
المقالة الأولى تناولت بالتفصيل ما سمّته “الاختلالات أو الخروقات القانونية السلبية في مسألة التعيينات الفنية والسامية بالإدارة العمومية”، في حين ركزت الثانية على ما يمكن تسميته بـ”ضعف التواصل غير اللفظي لدى أغلب ممثلي الدولة في الساحة الدولية”.
- التعيينات الوظيفية… عندما يتقاطع القانون مع الحيف
تثير المقالة الأولى إشكالية قديمة جديدة: كيف يمكن لمؤسسات الدولة أن تنهض وتؤدي أدوارها إذا كانت معايير التعيين في مناصب المسؤولية تخضع لاعتبارات وحسابات سياسية أو ولاءات ضيقة بدلاً من الكفاءة والاستحقاق؟
غالبًا ما تكون هذه التعيينات التي تغيب عنها الشفافية مبهمة، وتخضع أحيانًا لتفسير غامض للقانون، أو حتى استخدامه كأداة عبور لا كوسيلة للمساءلة.
وهو ما يضرب مبدأ الإنصاف في الصميم، ويفتح الباب أمام توظيف عشوائي وفساد إداري.
المؤسف أن هذه الممارسات لا تقتصر على قطاع بعينه، بل تمتد إلى مجالات متعددة، سواء كانت مدنية، أمنية أو دبلوماسية.
ويؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى إضعاف بنية الدولة، وفقدان ثقة المواطن فيها، وتراجع قدرتها على اتخاذ قرارات مدروسة.
إن من أهم معايير الدولة الحديثة هو قدرتها على وضع آليات شفافة للتوظيف والتعيين، قائمة على الجدارة، وعلى إخضاع المسؤولين للرقابة والمساءلة.
ومن دون ذلك، تصبح الدولة آلة مثقلة بالمحسوبية وفاقدة للفعالية، وهو أمر غير مقبول في عالم تتنافس فيه الدول بالإبداع والإنتاجية.
- لغة الجسد في العمل الدبلوماسي… مرآة صامتة للهوية الوطنية
المقالة الثانية تطرق باباً كثيرًا ما يُهمل في النقاشات العامة، لكنه أساسي في العلاقات الدولية: لغة الجسد عند الدبلوماسيين.
ففي المخيال الجمعي، يُفترض أن يكون الدبلوماسي متحدثًا بارعًا، قادراً على التعبير عن مواقف بلاده بدقة وأناقة.
لكن الحقيقة أن الدبلوماسية الحقيقية تُصاغ، في كثير من الأحيان، عبر الإشارات، النظرات، الصمت، والهيئة الجسدية.
لغة الجسد، في هذا السياق، ليست عفوية. إنها شكل من أشكال الخطاب الصامت لكن شديد الدلالة.
فمصافحة غير واثقة، أو نظرة شاردة، أو هيئة مغلقة، قد تضر بصورة الدولة، وتخلق سوء فهم، أو تضعف موقفاً استراتيجياً.
وعلى العكس، فإن وقفة واثقة، وابتسامة في وقتها، وصمتا محسوبا، يمكنها أن تعزز المصداقية، وتبعث الطمأنينة، وتعبّر عن قوة ناعمة دون عدوانية.
الأخطر، كما تشير الدراسة، هو أن بعض الممثلين الرسميين يفتقرون إلى الوعي بأثر لغتهم الجسدية، ما يكشف نقصًا في التكوين الدبلوماسي.
فالتعبير ليس فقط بالكلمات، بل هو أيضًا بالوقوف، والإنصات، والنظر، وبناء صورة منسجمة مع الرسالة المنطوقة.
إن هذا القصور في التحضير للتواصل غير اللفظي قد يُضعف تمثيل الدولة دوليًا، ويكشف عن فجوة في أنظمة التكوين، التي ينبغي أن تدمج تدريبًا شاملاً على التحكم بلغة الجسد كمهارة أساسية للدبلوماسي المعاصر.
بين الإشكالين: دعوة لإصلاح عميق
تُسلط المقالتان الضوء على وجهين لمشكلة واحدة: غياب منهج مؤسسي في بناء الكفاءات داخل الدولة.
فالتعيينات العشوائية والمزاجية، وضعف التأهيل في التواصل الدبلوماسي – اللفظي وغير اللفظي – يكشفان عن اختلال أعمق في بنية النظام الإداري والتعليمي، وهو ما يستدعي مراجعة شاملة.
إن إصلاح نظام التعيينات يبدأ بإعادة هيكلة القوانين المعمول بها، ووضع معايير صارمة للمناصب العليا، وتعزيز دور هيئات الرقابة لمنع أي تهاون أو تجاوز.
وبالموازاة، يجب اعتبار التكوين الدبلوماسي مساراً مهنياً يتطلب تحضيراً طويل الأمد: إتقان اللغات، فهم السياقات الثقافية، معرفة بالتاريخ الوطني والدولي، وقبل كل شيء، القدرة على التعبير بالكلمة والحضور معًا.
إن لغة الجسد، في الدبلوماسية، هي علامة هوية، وجسر للفهم، ووسيلة تأثير.
وكما أن العدالة تبدأ بتعيين الشخص المناسب في المكان المناسب، فإن احترام الدولة يبدأ بسيطرة ممثليها على كل أشكال التعبير التي تعكس كرامتها ورؤيتها.
إنه نداء، ليس فقط للتشخيص، بل للعمل الجاد لبناء دولة الكفاءة والاحترام؛ الدولة التي تختار بعناية من ينطق – ويتصرف – باسمها، وتحمي مؤسساتها من المحسوبية والعشوائية والمزاجية.