الاستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي  يكتب…تكريم الرحمن للإنسان

الإسلام رسالة الله للإنسان باقية حتى قيام الساعة، أما من انتسب للإسلام فقد خدع نفسه، وظن أنه اتبعأمر الله بتأديته الفروض الخمسة، وصدق الفقهاءوالمفسرين الذين بدّلوا كلام الله، واتخذوا كلام البشربديلاً عن كلام رب العالمين. وهنا وقع الناس فيالمحظور، فقد هجروا القرآن بشهادة الرسول عليهالسلام وشكواه لربه فيما نطق به لسانه عن الرحمن، قوله:

(وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآنمهجورًا) الفرقان (٣٠).

ثانيًا: خالف المسلمون أمر الله لهم في مخاطبتهللناس فيما بلغه الرسول لهم من قول الله:

(إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا لستَ منهم فيشيء، إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون)الأنعام (١٥٩).

وبذلك خالفوا أمر الله وتفرّقوا شيعًا ومذاهب شتى؛ منمالكي وحنبلي وشافعي وحنفي، إضافة إلى فريق منالمسلمين ازدادوا تفرّقًا وابتعادًا عن الآيات القرآنية، واتخذوا أقرباء الرسول أولياء لهم، يقدسونهم ويشركونبهم مع الله، وتباروا في تقديس بعض الصحابة.

وكلا الطرفين من انتسب لما أُطلق عليهم “أهل السنةوالجماعة”، والفريق الثاني “المذاهب الشيعية”. فأينالذين صدقوا الله في إيمانهم، واتبعوا كتابه كماأمرهم، ليصبحوا مسلمين حقًا؟ وهل اتبعوا عظاته، وهو يخاطبهم بقوله سبحانه:

(واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا) آل عمران(١٠٣).

ثالثًا: إن المسلمين بتفرقهم إلى طوائف وأحزابوجماعات، لكلٍّ منهم مرجعيته البعيدة عن القرآن، فقدوصفهم الله كما وصف من سبقوهم، واتّهمهم بتهمةالشرك في الحاضر، كما في قوله سبحانه:

(منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا منالمشركين، من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا، كل حزبٍ بما لديهم فرحون) الروم (٣١/٣٢).

مما تعني هذه الآية أن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًاوصفهم الله بأنهم مشركون. فهل تنطبق تلك الصفةوالتهمة العظيمة على المسلمين الذين تفرّقوا إلىمذاهب وطوائف ومنظمات تقاتل بعضها البعض؟ أليسمن مصلحة المسلم أن يراجع نفسه، ويجعل القرآنوتشريعاته وعِظاته وأحكامه هي الحكم على نفسه فيالتأكد من اتباع الأوامر الإلهية التي تحقق له السعادةوالطمأنينة والرضا والسلام النفسي، مسلمًا أمره للهالواحد الأحد، الذي يطعمه ويشفيه ويرزقه ويغنيه، ويبين له طريق السعادة، ويهديه، ويخلع عنه عقيدةالشرك التي خدعه بها الفقهاء وشيوخ الدين، وغيبواعقله، واختطفوا فكره، حتى جعلوه عبدًا مطيعًالرواياتهم وأهدافهم؟

فماذا هو فاعل يوم الحساب، يوم لا ينفع مال ولا بنون، عند السؤال:

هل اتبعت ما بلّغك به الرسول عن ربه فيما أمره اللهسبحانه في خطابه للإنسان، قول الله:

(اتّبعوا ما أُنزِل إليكم من ربكم ولا تتّبعوا من دونهأولياء) الأعراف (٣).

رابعًا: ألم تسأل نفسك أيها الإنسان؟ الله يدعوك للعملالصالح، ويهديك إلى الطريق المستقيم، ويعدك فيالآخرة بجنّات النعيم إذا استمسكت بكتابه، ونفذتأوامره، وطبّقت عظاته، وابتعدت عن المحرّماتوالنواهي، وسلكت طريق المنهاج الإلهي في معاملتكمع الناس، وسلكت سبيل التسامح والعفو لمن أساءإليك، وأعنت الفقير والمسكين والمحتاج عندما جاء إليكيطلب العون والمساعدة.

هل تعاملت مع زوجتك بالمودة والرحمة؟ هل حافظتعلى الأمانة؟ وهل احترمت حقوق الإنسان الذي كرّمهالله في قرآنه، بقوله سبحانه:

(ولقد كرّمنا بني آدم، وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضّلناهم على كثير ممنخلقنا تفضيلًا) الإسراء (٧٠).

هل أطعت الله، واتبعت ما كرّم به الإنسان إذا كنتمؤمنًا حقًا وصادقًا مع الله في إسلامك؟ هل كرّمتالإنسان كما كرّمه الله؟ وامتنعت عن العدوان عليهوعلى حقوقه؟ هل وقفت معه في أوقات الشدة والضعفوالحاجة؟ هل أدركت معنى قول الله سبحانه:

(يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى، وجعلناكمشعوبًا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إنالله عليم خبير) الحجرات (١٣).

فهل ميّز الله قومًا على قوم، أو فضّل شعبًا على غيرهمن الشعوب؟ إذاً، ما هو مقياس التفضيل للناس؟ لقدوضّحت الآية الكريمة حكم الله في تكريم وتفضيلوتمييز الإنسان: بالتقوى والعمل الصالح، وليسبالأنساب والمكانة الاجتماعية والاقتصادية.

ولذلك، على كل الناس أن تعي أن مقياس الإنسانلمكانته يوم الحساب هو تقوى الله وعمله الصالح الذيطبّقه في حياته عملًا وسلوكًا ومعاملة وفق شرعة اللهومنهاجه في الآيات القرآنية. لذلك، فعلى الإنسان ألايغترّ بسلطته أو ماله أو كثرة عياله وعدد أتباعه، وليعلمأنه سيواجه المحكمة الإلهية وحيدًا، لا وسيط يسعفه، ولا رسول يشفع له، ولا أحد من أسرته، وسيكون وحيدًاكما وصفه الله سبحانه بقوله:

(ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة، وتركتم ماخوّلناكم وراء ظهوركم، وما نرى معكم شفعاءكم الذينزعمتم أنهم فيكم شركاء، لقد تقطّع بينكم، وضلّ عنكمما كنتم تزعمون) الأنعام (٩٤).

خامسًا: ويظل السؤال مستمرًا. هل ظلمت إنسانًاواعتديت على حقوقه؟ هل خدعت أحدًا من الناس؟ وهلظننت ظنًا سيئًا في أحد الأشخاص؟ هل كرهتوحقدت على من لديه ثروة ومال؟ هل تمنيت أن تكونمكانه لتستمتع بما رزقه الله من نعم؟ هل أسأت لأحدمن الناس بالكلمة أو باليد أو بالغش أو بالكذب عليه؟ هل طبّقت ما أمرك الله به من رفق بالوالدين وكرّمتهماواعتنيت بهما كما رعياك حينما كنت صغيرًا وتعبا فيتربيتك؟ هل وجّهت أبناءك إلى طريق الحق، وعلّمتهمكيف يتعاملون مع الناس بالكلمة الطيبة، والتسامح، والمصداقية، والاحترام، والتقدير؟ هل قابلت الإساءةبالحسنة؟ هل جعلت الرحمة والعدل والإحسان، ونشرالسلام، والتعاون على البر والتقوى، هدفًا ساميًافي حياتك؟

تلك بعض العِظات والتشريعات والأحكام الإلهية فيالقرآن، التي لو طُبّقت، لعاش الناس جميعًا في أمنوسلام ورفاهية ووئام. فلن تجد بينهم خصامًا، بلينتشر الوئام والسلام.

زر الذهاب إلى الأعلى