علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب … ماذا تعني الشهادتين

معنى كلمة الشهادة ما يلي:
- أن يُخبِر الإنسان عمّا رأى.
- أن يُقِرّ الشاهد بما علِم.
- الشهادة مجموع ما يُدرَك بالبصر والحس.
ويشهد بكل الصدق والأمانة بالوسائل المذكورة أعلاه، ويعترف اعترافًا يقينيًّا بما أَبصر وأحسّ به، وعلم عنه من مصدر موثوق.
فالسؤال هنا: ماذا تعني شهادة الإنسان الذي يرغب في دخول دين الإسلام، وهو لا يعلم شيئًا عن رسالة الإسلام، ولا يعلم عمّن خلق السماوات والأرض، ليشهد بأنّ الله واحدٌ أحد؟ وكيف يشهد ويُصدّق بأنّ محمدًا رسول الله، وهو لا يعلم شيئًا عن الله، ولا عن رسوله؟
فهل يشهد الإنسان بما لا يعرفه، ولم يتعلّمه، ولم يدرسه، ولم يَنقل له أحد من الناس العلم بالله وبرسوله وبكتابه وأحكامه وتشريعاته من المحرّمات والنواهي والمنهاج الرباني؟
حتى حينما ينطق بالشهادتين، هل يعلم بأنّها التزام كامل بما سبق، مما جاء في الآيات القرآنية عن التوحيد، ومعرفة من هو الله سبحانه، الذي عرّف الناس بنفسه في آياته في قوله: ﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ﴾ ﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ﴾ ﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَٰلِقُ ٱلْبَارِئُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ﴾ )سورة الحشر: 22–24(
كما أن الإنسان الذي يرغب في دخول الإسلام عليه أن يتعرّف على رسول الله والرسالة الإلهية التي يحملها للناس، ومراد الله فيها لهم من خير وصلاح، ومنافع للناس، وسعادة في الحياة الدنيا، وما وعدهم الله يوم الحساب في الآخرة من جنات النعيم، إذا اتبعوا ما بلغهم الرسول عليه السلام من أحكام العبادات، وتشريع المحرمات والنواهي، واتباع المنهاج الإلهي في الآيات القرآنية.
وقد كلّف الله رسوله محمدًا عليه السلام وحدّد له مهمته بقوله: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَـٰكَ شَـٰهِدًۭا وَمُبَشِّرًۭا وَنَذِيرًۭا • وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِۦ وَسِرَاجًۭا مُّنِيرًۭا • وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلًۭا كَبِيرًۭا﴾ )سورة الأحزاب: 45–47(
وخطاب الله لرسوله بأن يعرّف نفسه للناس حتى لا يُشركوا بتقديسه مع الله، وأنه بشر مثلهم، كما أمره الله بقوله سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌۭ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌۭ وَٰحِدٌۭۖ فَمَن كَانَ يَرْجُوا۟ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًۭا صَـٰلِحًۭا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦ أَحَدًۭا﴾ )سورة الكهف: 110(
وأمر الله لرسوله بأن يُبلغ الناس عن صفاته بقوله: ﴿قُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًۭا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لَٱسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنْ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌۭ وَبَشِيرٌۭ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ﴾ )سورة الأعراف: 188(
وفي هذا الإطار، لا يمكن أن نغفل عن أية قرآنية عظيمة رسمت الطريق الواضح لمن أراد صدق الإيمان وحقيقة الإسلام، وهي قوله تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ • قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ (آل عمران: 31–32).
في هذه الآيتين، يكشف القرآن عن معيار دقيق لصدق الإيمان، حيث لا تكفي مجرد الأقوال أو النوايا الطيبة، بل لا بد أن يُترجم حبّ الله إلى اتباع صادق للرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الاتباع هو البرهان العملي على صدق المحبة. ومَن اتّبع الرسول، نال محبة الله ومغفرته، وهو وعد عظيم لا يُوهب إلا لمن صدق القول بالعمل.
فالدعوى بحب الله دون معرفة رسالته، أو دون الالتزام بمنهجه كما بلّغه نبيّه، دعوى باطلة لا أساس لها في ميزان الوحي.
ألم يكن الذين إختزلوا دين الإسلام في خمس أرادوا مؤامرة لتغفيل المسلمين عن حقيقة رسالة الإسلام ليتقيدوا بالشكليات والطقوس وتغييب حقيقة الإسلام وما يحققه للإنسان من سعادة
وحياة طيبة، وطالما نجح المتآمرون على إبعاد المسلمين عن الاحكام والتشريعات والمنهاج الاخلاقي الرباني ، يريدونهم أن يظلوا أسرى للجهلة ودعاة الكراهية والمحرضين على القتل والإجرام ليتحقق لهم هجر القرآن ولا يتدبروا فيه حتى يستفيدوا من رسالة الإسلام التي ارسل الله بها رسوله الأمين لمصلحة الإنسان وسعادته، إذ أن الإسلام ورسالته مشروع حضاري يرتقي بالإنسان إلى الحياة الطيبة لكي يعيش في آمن وسلام وفي الاخرة يكافئوه الله جنات النعيم، لذلك جاء الأمر الإلهي الواضح: “فَإِن تَوَلَّوْا”، أي أعرضوا عن الاتباع والطاعة وذلك باتباعهم مرويات وتراثيات واسرائيليات منسوبة زورا وبهتانا الي الرسول الكريم، فإنهم بذلك يُخرجون أنفسهم من محبة الله إلى دائرة الكفر، كما صرّحت الآية بقوله تعالى: “فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ”. وهذا الربط بين الإعراض عن الاتباع ورفض الطاعة باتباع المرويات والتراثيات المزورة، وبين الكفر، يُنذر بخطورة التلفّظ بالشهادتين دون وعي بحقائق الإيمان وواجبات الالتزام.
من هنا، يتأكد أن النطق بالشهادتين ليس مجرد جملة تُقال، بل هو عقدٌ وميثاقٌ، يقوم على المعرفة المسبقة بالله وصفاته، وعلى اتباع ما ابلغه النبي كما أمر الله في كتابه. وهذا ما يؤكد ضرورة التعلّم والاطلاع قبل الإقرار بالشهادة، ليكون الإيمان مبنيًّا على علم ويقين، لا على جهل أو عاطفة مؤقتة. فالاتباع هو الترجمة العملية للشهادة، وهو المِقياس الذي تُوزن به صدقية المسلم في علاقته مع الله ورسوله.
فهل تمّ التعريف بدين الإسلام للذين هداهم الله ويرغبون في الدخول في دين الإسلام بواجباتهم الإسلامية، ومقاصد الآيات في جميع أحكام العبادات والتشريعات الإلهية في الآيات القرآنية؟ ليكون المتبع ملتزمًا بها عندما يُقرّ ويعترف عن إيمان وقناعة ومعرفة برسالة الإسلام، ليشهد أمام الله والناس بأن ينطق:
“أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله”، فيشهد بذلك أنّه على علمٍ بدين الإسلام وشريعته الإلهية،
وحينها يلتزم بها التزامًا صادقًا، إيمانًا وعبادةً، وقولًا وعملًا صالحًا، وسلوكًا ساميًا وفق القيم الأخلاقية في القرآن، وفي جميع معاملاته وعلاقاته مع الناس جميعًا أيا كانت أديانهم.
ذلك هو المسلم الحق.
أما الذي عرَف واجباته وفق المقاصد الإلهية في الآيات القرآنية وطبّقها في حياته، فسيشعر بالأمان والاستقرار النفسي، والرضا، والقناعة، والتسليم الكامل لقدر الله سبحانه، كما بلّغ الناس الرسول الأمين وعد الله للناس جميعًا، بقول الله: ﴿فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ • وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةًۭ ضَنكًۭا﴾ )سورة طه: 123–124(
ولذلك، وبسبب هذا الاختزال كان دخول الناس بالآلاف في دين الإسلام، وإقرارهم بالشهادتين، فخدعوا أنفسهم بأنهم مسلمون.
فبأي منطق يُقِرّ الإنسان ويشهد أمام الله وأمام خلقه دون أن يعلم حقيقة الإسلام؟ وأن يعرف ما هي شروط الدخول في الإسلام؟ وهل لديه الإيمان الصادق والعزيمة المخلصة لمجاهدة النفس، وترجمة الأوامر الإلهية من أحكام العبادات وحكمتها، وتطبيق التشريعات الإلهية في المحرمات والنواهي، واتباع المنهاج الإلهي في سلوكه ومعاملاته وعلاقاته؟ وأن لديه العزم في تطبيق ما بلّغه الرسول في الآيات الكريمة؟ ولن يُلام المسلم الذي دخل الإسلام حديثًا إذا لم يتم تعريفه بواجباته والتزاماته تجاه الله، حتى يُحقّق الله له وعده في الحياة الدنيا، ولا يعيش في شقاء وضنك، وفي الآخرة جنات النعيم.
أما إذا اتّبع شيوخ الدين، وأقرّ بالشهادتين، وهو لا يعلم من واجباته ومسؤولياته تجاه ربه وأهله ومجتمعه، فإنه سيخسر الدنيا والآخرة.
ولذلك، وجب على كل من يريد دخول الإسلام، قبل الشهادتين، أن يعرف ما هو مُقدِم عليه، وبقدرته واستطاعته أداء واجباته الإسلامية على الوجه الأكمل، حتى لا يواجه الخسران بالحسرات والندم يوم القيامة.