الإسلام دعوة للإخاء .. وتقدير للأنبياء والرسالات السماوية

في زمنٍ تتعالى فيه أصوات الانقسام، وتشتد موجات الكراهية، تأتي كلمات المفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي لتذكر العالم بحقائق ناصعة من رسالة القرآن الكريم، تلك التي خُوطب بها الإنسان كلّه، لا طائفة دون طائفة، ولا قوم دون قوم، بل هي هدايةٌ ربانية، رسمت للناس خريطةَ العدل والرحمة، وأرست دعائمَ السلام والتعايش والتسامح بين الشعوب.

لقد ثمَّن المفكر الشرفاء، في توجيه رصين، حقائقَ مغيبة أو مغلوطة حول رسالة الإسلام التي يمثلها القرآن، مؤكدًا أن هذا الكتاب ليس حكرًا على قوم أو شعب أو أمة، بل هو امتداد لما جاء به الرسل جميعًا، من نوح إلى محمد عليهم الصلاة والسلام. فهو دستورٌ إلهيٌّ جمع في طيّاته خلاصة الشرائع السماوية، واحتضن رسالات التوحيد في وحدة عقدية جامعة، تبني الإنسان وتحرره من الظلم والطغيان والفرقة.

ويذكّر المفكر الشرفاء أن القرآن دعا الناس إلى أن يكونوا إخوةً متحابين، تجمعهم قيم الرحمة والعدل والإحسان واحترام الحريات والحقوق، وأن الرسالة القرآنية لا تعرف العنصرية الدينية ولا الاستعلاء القومي، بل تُعلي من شأن الإنسان بصفته إنسانًا، لا بانتسابه إلى طائفة أو عرق أو لون.

ولعل من أعظم ما نوّه إليه في هذا التوجيه، هو التأكيد على مكانة السيد المسيح وأمه الطاهرة مريم عليهما السلام، وكيف أن القرآن كرّمهما أعظم تكريم، بل أفرد لهما سورًا وآياتٍ تُتلى إلى يوم القيامة، في تجسيدٍ لوحدة الرسالات السماوية واحترام أنبياء الله جميعًا. وهي دعوة صادقة إلى المسيحيين كي يعيدوا قراءة القرآن بعيون منصفة، ويكتشفوا ما فيه من محبة وتقدير لسيدنا عيسى وأمه الطاهرة، بعيدًا عن ما بثّه المتاجرون بالدين والمفرّقون بين أبناء الرسالة الواحدة.

وفي هذا المقام، نجد في قول الله تعالى:
{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285]،
تجليةً صريحة لوحدة الإيمان ووحدة المبدأ، ورفضًا لكل ما يزرع التفرقة بين أبناء البشرية.

إننا بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى هذا الفكر المستنير الذي ينادي به الشرفاء الحمادي، فكر يُرجع الدين إلى مقصده الأسمى: تحرير الإنسان من العبودية لغير الله، وبناء مجتمعات فاضلة يسود فيها السلام ويُصان فيها الإنسان.

ختامًا، فإن هذا التوجيه يُعد دعوة صريحة للعقلاء أن يسيروا على خطى التنوير القرآني، وأن يعملوا على ردم الهوة بين أبناء الأديان السماوية، وتفنيد الشبهات التي صنعها المتعصبون، ليعود الناس إلى الفطرة التي فطرهم الله عليها: فطرة المحبة، وفطرة العدل، وفطرة الأخوّة في الإنسانية.

زر الذهاب إلى الأعلى