الطلاق في ضوء المنهج الإلهي : قرار مشترك لا نزاع فردي …

الطلاق، في جوهره الإنساني والتشريعي، ليس مجرد قرار شخصي أحادي الجانب، بل هو قرار مشترك ينبثق عن تعاقد مقدس بين الزوجين، ويخضع لمنهج إلهي يضمن العدالة والرحمة للطرفين ويحمي مستقبل الأبناء.

الطلاق، وفق التشريع الإلهي، لا ينبغي أن يكون نتيجة لحظة غضب أو خلاف عابر أو سوء فهم مؤقت، بل لا بد أن يُبنى على أسباب جوهرية حقيقية، وبعد تفكير مشترك وناضج من الطرفين. فالزواج في الإسلام ليس مجرد ارتباط قانوني، بل هو ميثاق غليظ، لا يجوز التهاون في إنهائه إلا بعد استنفاد كل سبل الإصلاح والتفاهم.

قرار الطلاق… لا انفصال عن المسؤولية..

الطلاق لا يُخرج أيا من الطرفين من دائرة المسؤولية الأخلاقية أو الإنسانية، خصوصًا فيما يتعلق بالأطفال. بل على العكس، يستدعي الأمر التزامًا أكبر بترسيخ العلاقة الإنسانية بين الأب والأم، ولو بعد الانفصال، من أجل مصلحة الأطفال وسلامهم النفسي. لذلك، ينبغي أن يتفق الطرفان على ترتيبات واضحة تسمح للأب برؤية أطفاله في أي وقت، بالتفاهم مع والدتهم، حفاظًا على توازن الأسرة وتماسكها المعنوي.

التوجيهات القرآنية: المودة أساس حتى بعد الفراق

في هذا السياق، يجدر بنا أن نضع نصب أعيننا الآية الكريمة:
“وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (البقرة: 237)،
وهي آية تختصر فلسفة الطلاق في الإسلام: حتى عند الفراق، تبقى المودة والتقدير والاحترام حاضرة، فالله يرى كل فعل ويزن كل موقف.

لكن، وللأسف، فإن كثيرًا من المسلمين اليوم قد غفلوا عن هذه المبادئ السامية، وسمحوا لأهوائهم ولـ”أولياء الشيطان” أن يقودوهم إلى دروب الشقاق والضيق والشقاء، في حين أن الله يريد لهم السكينة والخير والسعادة.

الطلاق بين التشريع والانحراف السلوكي

من هنا، تأتي أهمية إعادة قراءة النصوص الدينية والتوجيهات القرآنية بعين العقل والضمير، وتطبيقها في حياتنا اليومية، خاصة في قضايا دقيقة كقضية الطلاق. فكم من أطفال تيتموا اجتماعيًا بسبب خلافات الآباء! وكم من أرواح تهشمت لأن الطلاق لم يُتعامل معه كموقف تشاركي مسؤول، بل كحرب انتقامية لا رابح فيها!

الطلاق ليس نهاية حياة، بل يمكن أن يكون بداية لحياة أكثر نضجًا وتفهمًا إذا التزم الطرفان بتعاليم السماء، وارتقيا بأخلاقهما إلى مستوى الرسالة التي أرادها الله لهما.

في الختام، يجب أن نعود إلى المنهج الإلهي، لا فقط كتشريع، بل كنور يهدي خطواتنا في أدق مفترقات الحياة، ومنها الطلاق، ليكون مخرجًا مشرفًا، لا مدخلًا للشقاء.

زر الذهاب إلى الأعلى