خارطة طريق الحوار الوطني: مبادرة محفوفة بالتحفظات والأسئلة حول المستقبل .. قراءة الموريتاني

بعد أشهر من الانتظار والتكهنات، خرج السياسي الموريتاني موسى فال أخيرًا بوثيقة رسمية تحدد ملامح خارطة الطريق للحوار الوطني المرتقب. الوثيقة، التي طال انتظارها، تقترح فترة زمنية تمتد لـ63 يومًا لتنظيم الحوار، مقسّمة إلى ثلاث مراحل رئيسية، تبدأ بالتحضيرات وتختتم بجلسات ختامية، مع ترك آلية تنفيذ المخرجات مفتوحة للنقاش.

ورغم الجهود المبذولة لتقديم الحوار كخيار توافقي يخرج البلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية، إلا أن خارطة الطريق هذه لم تسلم من الانتقادات والرفض من أطراف سياسية بارزة.

تحفظات ورفض

حزب “تواصل”، أحد أكبر الأحزاب السياسية وأكثرها تأثيرًا في الساحة الوطنية، أعلن تحفظه على الوثيقة، في وقت وصفها النائب البرلماني بيرام الداه اعبيدي، صاحب المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بأنها “لا تعنيه”.

هذا الموقف المتشدد من بعض القوى الفاعلة يثير تساؤلات جدية حول مصير الحوار ومدى إمكانية تطبيق مخرجاته على أرض الواقع.

ويرى مراقبون أن تحفظ “تواصل” ورفض بيرام يعكسان غياب التوافق الحقيقي على آليات ومرجعيات الحوار، مما قد يحوّل المشروع إلى مبادرة رمزية بلا أثر سياسي حقيقي، في حال استمر التباين بين مكونات المشهد السياسي.

مراحل الحوار كما تحددها الوثيقة

تقسم خارطة الطريق الحوار إلى ثلاث مراحل زمنية واضحة:

1. مرحلة التحضير (30 يومًا تقريبًا):

تشمل هذه المرحلة الإعداد اللوجستي والتنظيمي، وتوفير الوسائل والخدمات اللازمة لانطلاق الحوار، إضافة إلى تنظيم حفل الافتتاح الرسمي، المتوقع أن يحضره رئيس الجمهورية شخصيًا، وتحديد مواعيد جلسات الحوار، الورشات، ومحاور النقاش.

2. مرحلة النقاشات (30 يومًا تقريبًا):

تبدأ بعقد الورشات حول المواضيع المتفق عليها، بإدارة ميسّرين محايدين.

كما تشمل هذه المرحلة تشكيل لجنة تحكيم للتعامل مع الخلافات المستعصية، واعتماد التوصيات بالإجماع في ختام كل ورشة.

3. الجلسات الختامية (3 أيام):

تُختتم فعاليات الحوار بحفل رسمي، يشارك فيه رئيس الجمهورية، لتقديم النتائج والتوصيات النهائية.

تأجيل الحسم في آليات التنفيذ

رغم وضوح الهيكل الزمني والتنظيمي، فإن الوثيقة تترك باب تنفيذ الاتفاقات مفتوحًا، ما يثير مخاوف من أن تتحول مخرجات الحوار إلى وثائق أرشيفية، دون التزامات فعلية من الأطراف المشاركة أو من السلطة الحاكمة.

بين التشكيك والدعم: حوار على مفترق طرق

بينما يرى بعض المراقبين أن الحوار مجرد وسيلة لكسب الوقت وتمييع الخلافات السياسية، يعتبره أنصاره السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد من وضعها الاقتصادي والسياسي المتأزم.

ويؤكد هؤلاء أن الأزمة الحالية لا يمكن تجاوزها إلا عبر حوار شامل، يضم كل الأطراف، ويؤسس لعقد اجتماعي جديد يراعي موازين القوى والتحولات الاجتماعية.

يبقى مستقبل هذا الحوار مرهونًا بمدى قدرة الوثيقة على جذب الفرقاء السياسيين، وخصوصًا المعارضين البارزين، وتقديم ضمانات حقيقية بتنفيذ مخرجاته.

فبين الشك والتفاؤل، تبدو موريتانيا أمام فرصة جديدة، لكنها محفوفة بالمخاطر، لتصحيح مسارها السياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى