ثروة على محك التجريح… لماذا هم فقط؟

في هذا الوطن الذي لم يتصالح بعد مع فكرة النجاح النظيف، ما يزال بعض العقول تُصرّ على تحويل ثروة الآخرين إلى تهمة، وعلى نصب المشانق المعنوية لكل من امتلك مالًا أو مكانة أو تأثيرًا خارج أُطرهم الذهنية الضيقة. ولعلّ أسرة أهل الشيخ آياه أكبر شاهد على هذه الذهنية التي تحترف جلد الآخرين، وتختار أهدافها بدقة، كما لو أنها بصدد تصفية حسابات لا علاقة لها لا بالعدالة ولا بالحقيقة.

منذ سنوات، تكرر السؤال ذاته: ما سر ثروتهم؟ سؤال كُرر حتى ابتذل، وتداولته المنابر والمنصات حتى أفرغوه من أي قيمة موضوعية، دون أن يكلّف أصحاب هذا السؤال أنفسهم عناء البحث في الوقائع، أو النظر في مخرجات المسارات القانونية التي أُحيل إليها الملف. لقد فتحت السلطات القضائية تحقيقًا نُشرت تفاصيله، وانتهى ببيان صادر عن النيابة العامة، جاء واضحًا لا يحتمل التأويل، ومع ذلك استمر التشكيك، وكأن القضاء لا يُرضي من لا يرى إلا بعين الريبة.

اللافت أن الاستهداف لم يكن مجرد تساؤل عابر أو فضول صحفي، بل تحوّل إلى حالة من الملاحقة الإعلامية والاجتماعية، بل وأُتيح المجال لكل من يملك حسابًا على موقع تواصل أن يتحول إلى قاضٍ ومُحقّق، يستبيح أعراض الناس، ويشكك في مصادر أرزاقهم، ويحوّل خصوصياتهم إلى “تريند” عابر لا يدفع ثمنه أحد سوى من تقرر الحملة أن يكون هدفها التالي.

والأدهى من كل ذلك، أن هذا الاستهداف لم يكن عامًا، بل موجّهًا بعناية تكاد تثير الاستغراب. فموريتانيا تعجّ برجال مالٍ وأعمالٍ يختفون خلف واجهات لا تُفسر حجم ما يملكون، ويمارسون أنشطة “مشروعة” من حيث الشكل، لكنها لا تبرر واقع الحال. ومع ذلك لا يُسأل أحد عنهم، ولا يُلاحَق، ولا يُنصّب على أمواله المحقّقون الشعبيون، وكأن عدالة التشكيك لا تُفعل إلا على أسماء دون غيرها، ولغايات أبعد ما تكون عن الشفافية أو المساءلة.

فلماذا أهل الشيخ آياه تحديدًا؟ لماذا تُنصب لهم محاكم الرأي العام، ويُقذفون بكل هذه الاتهامات غير المسندة؟ لماذا تغيب عن هذا الاستهداف الملفات المفتوحة حقًا، والتي خلّفت آثارًا مدمرة في المجتمع، كملف حبوب الهلوسة مثلًا، الذي بات سيفًا مسلطًا على شباب البلاد، وأثار ما أثار من رعب وألم، ثم ما لبث أن دخل دائرة النسيان؟ لماذا لا يتناول هؤلاء الذين يُنصّبون أنفسهم أوصياء على الأخلاق والثروات ذلك الملف، إن كانت غايتهم مصلحة عامة أو مساءلة صادقة؟

الناس في هذا البلد تعرف أهل هذا البلد، وتعلم من يُنفق في الصمت ومن يتكسب في الضوء، وتعلم كذلك من ترك أثرًا نافعًا ومن لا يزال عبئًا على وطنه. وأسرة أهل الشيخ آياه، لمن شاء أن ينظر بعين الحقيقة، ليست مجرد اسم في دفتر الثراء، بل حاضرة في العمل الخيري والإنساني، من خلال مبادرات ملموسة لمساعدة الفقراء والمرضى والمعاقين، في مختلف مناطق البلاد، دون منٍّ ولا دعاية. فهل يُعقل أن يكون العطاء تهمة؟ وهل يُصبح الكرم مدعاةً للارتياب؟

لقد بلغ الأمر من التجاوز ما لا يمكن السكوت عليه، وتحوّل إلى اعتداء صريح على الكرامة الإنسانية، وتنكيل اجتماعي ممنهج، غايته إشباع رغبات البعض في تحطيم من لم يستطيعوا بلوغه. غير أن الحقيقة الراسخة أن لا سلطة في هذا الباب إلا للقضاء، وقد قال كلمته، وعلى الجميع أن يصمت احترامًا لمؤسسات الدولة، إن لم يكن احترامًا لإنسانية الناس.

لقد آن الأوان أن نكفّ عن استباحة البيوت الآمنة، وعن محاكمة الناس في نواياهم، وعن تشييد شهرة وهمية على أنقاض سمعة الشرفاء. فليس كل من يملك مذنب، وليس كل من يُسرف في الاتهام صاحب قضية. ولن نُبني وطنًا يحترم نفسه، إن كان أبناؤه يتقنون النبش في جيوب بعضهم، أكثر مما يتقنون البناء. 

البو

زر الذهاب إلى الأعلى