علي محمد الشرفاء يكتب .. في مواجهة المستقبل

منذ القِدم وعلى مرِّ العصور، كل الأنظمة والدول التي ارتقت علوًّا،
وتفوقت على غيرها من الدول ونجحت في حمايةأوطانها، وضعت التخطيط
العلمي معيارًا للانتصار، ودرست كافة الاحتمالات
التي يمكن أن تخترق الأمن القومي لها، ووضعت لذلكالخبراء والعلماء لدراسة
القدرات المتاحة، ومدى إمكانية تطويرها مقارنة بالجهةالتي تمثل تهديدًا لأمنها، كما وضعت بعض التصوراتلخلق صداقات مع دول مجاورة، وبناء أحلاف تمدهاعند الحاجة بما يقصّر عليها من العتاد.
تلك من الأوامر الإلهية، حينما قال في كتابه الكريم، وبلّغه للناس الرسول الأمين عن ربه سبحانه:
﴿وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيلترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لاتعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل اللهيوفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون﴾
الأنفال (60)
تلك الأوامر الإلهية التي أمر الله بها القياداتالسياسية، بمشاركة المفكرين والعلماء في المجتمعات، أن تستعد لمواجهة المستقبل وما يحمله في أيامه المقبلةمن تحديات على كل المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والهوية الوطنية، يتطلب طاعة الله في تنفيذ أوامره لتحصين المجتمعاتمما يتهددها من أخطار تُسقط الأنظمة، وتتشتتالشعوب، وتُشرّد الأسر، ويضيع المستقبل للأوطان، بينما الناس في صراع وتنافس على المصالحالشخصية الآنية، ناسين المستقبل وما ينتظرهم منتحديات.
وقد قال تعالى:
﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾
الرعد (11)
فلا نصرَ دائم ولا أمن مستقر إلا بالتغيير والإصلاحالحقيقي، والعودة إلى الحق والعدل والتخطيط المدروس. ومن أحبّ ذلك، جعل الله سبحانه الاستعداد والتخطيطلاحتمالات المستقبل بالعمل الجماعي، تقوده قياداتمخلصة تُفني ذاتها في جهد مخلص لتحصين الشعوبوالأوطان من الأخطار، وحماية المواطنين من أن تتخذالحكومات إجراءات استبدادية ارتجالية تُعطِّل مصالحالمواطنين وتضعهم في موقف المتحفز، من خلال صدورقرارات فردية لم تأخذ في حسابها الأزمات والمشاكلالتي تنتج عن قرارات غير مدروسة، ولم تحسب للناسحقوقهم ومتطلباتهم، مما ينتج عنه خلل في النظامالاجتماعي، وتُفرض حاجات المواطنين المحصورين بينمتطلبات الحياة اليومية، وبين القرارات العشوائية التييكتب تشريعاتها وقوانينها موظفون في مكاتبهم دونالنزول إلى الشوارع ودراسة ظروف المواطنينواحتياجاتهم، مع المتغيرات في هبوط القوة الشرائيةللعملة المحلية، وترتفع أسعار المواد الضرورية لبقاء حياةالإنسان، وحينها يشعر المواطن بأن ليس لديه مايخسره. هنا تبدأ الكارثة التي لا يشعر بها الموظفونالمرفهون في الحكومة، ولا يشعرون بآلام الناس، فينزلالغضب الإلهي عليهم، وتحدث الصاعقة على الذينظنوا أنهم مخلدون في حكم الناس،
كما حذّر الله الناس في قوله سبحانه:
﴿حتى إذا أخذت الأرض زُخرُفها وازّينت وظن أهلُهاأنهم قادرون عليها أتاها أمرُنا ليلًا أو نهارًا فجعلناهاحصيدًا كأن لم تغنَ بالأمس كذلك نفصل الآيات لقومٍ يتفكرون﴾
يونس (24)
وكما قال جل شأنه:
﴿ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك همالفاسقون﴾
الحشر (19)
فالنسيان والغفلة عن الله يقودان إلى ضياع البوصلة، وانتكاس الوعي، وانحدار القرار. وقد حدث ما حذّر اللهالناس منه في كثير من الدول في العصر الحاضر،
ومنها عدة أمثلة من اليمن، والصومال، وليبيا، والعراق، وفلسطين، ولم يتخذ الناس الحذر من أمر الله لهم، ولميعتبروا ما حدث لدول في عصرنا الحاضر الذي نعيشه، وكأنهم لا يسمعون، ولا يبصرون، وعلى عقولهم ركام منالأوهام، والاستمتاع بالسلطة يقودهم إلى ذلك، نفوسأمّارة بالسوء، متطلعة دومًا إلى الاستمتاع بمعاناةالإنسان وما يعيشه من شقاء، فجاءهم أمر الله الذي لاراد له سبحانه.
وقد قال عز وجل:
﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناسليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون﴾
الروم (41)
وهكذا يكون فساد الأرض نتيجة مباشرة لفسادالإنسان وظلمه.
وقال تعالى أيضًا:
﴿قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أومن تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأسبعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون﴾
الأنعام (65)
فهل اعتبر الناس؟ كلا
هل اتبعوا العِظات الإلهية؟ كلا
هل تعاطفوا مع الذين سقط
عليهم الغضب الإلهي؟ كلا
إذًا، فليذوقوا ما صنعته
أيديهم من ظلمٍ وبغيٍ وطغيان.