مولاي المهدي العلوي… آخر الأساطين الذين لا يتكرّرون

لم يكن مولاي المهدي العلوي من أولئك الذين يركضون خلف الأضواء، ولا ممّن تُغريهم عدسات الكاميرا أو صخب المجالس السياسية. عاش في الظل، لكنه كان أثقل أثرًا من كثيرين في دائرة الضوء. ترك بصمته في دهاليز الدولة المغربية بهدوء الحكماء وعمق العارفين.
رجل يُجيد فن الصمت، لكن إذا تكلّم، أصغت إليه القلوب قبل الآذان. ظلّ أحد أعمدة الدولة المغربية في زمنٍ كانت فيه الحكمة عملة نادرة، والولاء الصادق عملة نادرة أخرى. لم يكن مجرد رجل دولة، بل كان أحد “الأساطين” الحقيقيين، ممّن تجسدت فيهم نخوة الشرفاء وتوازنات الحكماء.
ابتسامة الحسن
يحظى مولاي المهدي العلوي بتميّزٍ نادر. فقد كان – كما تُظهر أرشيفات الصور – الرجل الوحيد الذي كان جلالة الملك الحسن الثاني يبتسم له كلما تحدث إليه.
لم تكن تلك الابتسامة مجاملةً أو بروتوكولًا، بل كانت صادقة، نابعة من تقديرٍ عميق ومودّة استثنائية بين ملك حكيم ورجل فريد الطراز.
ما لا يُقال عن الرجال الكبار
قلّة هم من عرفوا حقيقة مولاي المهدي العلوي. كان رجلًا مؤتمنًا، لم يُسرّب سطرًا من أسرار دولته، ولم يبع لحظة من تاريخه. صمد أمام الإغراءات، وثبت حين تهاوت المبادئ، وظلّ واقعيًا دون أن يفقد نقاء روحه.
لم يكن طامعًا في منصب، ولا عاشقًا للسلطة. كان يدرك أن بعض الرجال وُجدوا ليكونوا “خلف الستار”، حيث تُصنع القرارات وتُحسم التوازنات، بعيدًا عن الأضواء وضجيج الميكروفونات.
وفاء للدولة… وللتاريخ
لم يُبدّل مولاي المهدي، ولم يُهادن حين تعلق الأمر بثوابت الوطن. بقي وفيًا لملكه، لتاريخه، ولأخلاقه النبيلة التي تشرّبها في بيت شريف، ومن عائلة عريقة، وتربية صارمة لم تسمح له بالتهافت ولا بالتلون.
في زمن التغيّرات السريعة والوجوه المتقلّبة، ظلّ المهدي العلوي ثابتًا كصخرة وفاء، وهادئًا كماء نقي يروي شجرة الدولة.
وأخيرًا…
رحل مولاي المهدي العلوي دون ضجيج، تمامًا كما عاش. لكن ذكراه ستبقى، وسيرته ستظل تُروى لكل من يريد أن يفهم كيف يمكن للرجال الكبار أن يغيّروا مجرى التاريخ… دون أن يتصدروا العناوين.
لقد كان المهدي العلوي، ببساطة، أحد أولئك الرجال الذين لا يتكررون.
وسيبقى، رغم الغياب، نبراسًا للأجيال، وقدوةً لكل من أراد أن يخدم الدولة بضمير، ويظل وفيًا لمبادئه حتى آخر رمق.
فسلامٌ على روحه في العالمين،
وسلامٌ على رجلٍ عاش عزيزًا، ورحل كريمًا، وبقي حيًّا في ذاكرة الوطن
احمد محمد الامين