موريتانيا ….لا إبراهيمية ولا تطبيعد. أيمن السيسي

تابعتُ على مدى اليومين الماضيين الحملات العدائية التي يتعرَّض لها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني – للأسف – من إعلام منفلت كان عليه أن يشكر الرئيس بدلًا من مهاجمته وانتقاده ، ويدعم بلاد ويردُّ على جريدة وول استريت جورنال رصاصتها الأولى ومن حذا حذوها من الإعلام الموجَّه ، وهو دأب الأمريكان إذا أرادوا الضغط بدأوا بالإعلام ، تذكرتُ وأنا أتابع هذه الحملة ما رأيتُه في موريتانيا من إنجازات لم تتحقَّق قبل عهد الغزواني و سياسته الحكيمة ما جعل موريتانيا رقمًا أساسيًّا وصعبًا لايمكن تجاوزه ، و مركزًا للتوازن في هذه البقعة من العالم ، ومحط اهتمام واستقطاب القوى السياسيَّة الكبرى ، و تنافس الكتلتين ( الأوراسية ) الصين وروسيا ، و (الأطلسيَّة ) أوربا وأمريكا على الولوج باستثماراتهما واستراتيجيتهما إلى الأراضي الموريتانيَّة ، والشواهد كثيرة نراها في حضور الرئيس غزواني ووزرائه للمنتديات الدولية والإقليمية وغالبًا ما يرجع بتفاهمات تفتح الآفاق للاستثمار، فما بين البريكس والقمة الأمريكيَّة المصغرة في واشنطن مع الرئيس ترامب نجح الغزواني في تسويق بلاده ، مع الحفاظ على حياديتها في كل الملفات القلقة ، وبين الأهداف المتعارضة بين أمريكا والصين ، في حربهما على الموارد والتجارة ، كل طرف يرغب استمالة الرئيس غزواني وبلاده لتحقيق مصالحه الاقتصادية .
و هذه الدعوة – في تقديري – لم تكن إلا للاستفادة من الموقع الجيوستراتيجي المهم لموريتانيا ومحاولة مواجهة النفوذ الروسي الصيني المتغلغل في منطقة الساحل و لمنع انهيار النفوذ الأمريكي والغربي ، والاستفادة من ثروات موريتانيا باستثمار الشركات الأمريكيَّة بعد تراجع مكانة الاقتصاد الأمريكي عالميًّا، وصعود منظومة “بريكس” المنافسة بزعامة الصين وروسيا ، والحقيقة لقد أبدع الرئيس غزواني وأجاد في تسويق موارد بلاده وأهمية موقعها ، وهو ما أعلنته وزارة الخارجية الأمريكيَّة حول “فوائد الشراكة مع موريتانيا و التعاون في الأمن الإقليمي هو صلب ما هدف إليه ترامب ( التاجر الشاطر ) ، ولا أعتقد أنَّ الديانة الإبراهيمية كانت ضمن المباحثات ، فمخطط هذة الفكرة الشيطانيَّة لا يتعدَّى دول المركز ( الجزيرة العربية والشام ) وفق التصورات التوراتيَّة الذي يسير عليها نتنياهو ، ولو صحَّ هذا التصوُّر لأمكن قبوله منذ أن بدأ الحديث عنه قبل سنوات بضغط ممن له علاقات ونفوذ روحي في نواكشوط ولكن الرئيس ما كان ليقبل وبالتالي لن يقبل الآن ، كما أعتقد أنَّ التطبيع مع إسرائيل مرفوض من الرئيس غزواني ، خصوصًا في ظلِّ العدوان الإسرائيلي على غزة ، وجميعنا يعلم عظم الحماس الديني والمؤازرة الشعبيَّة الموريتانيَّة مع أهل غزة ، فهل يتصور عاقل أنَّ الرئيس غزواني يفكر في ذلك ليخسر شعبه ؟ لا أعتقد ، سيما وقد سبق له رفضه عندما طرح من قبل إحدى الدول العربيَّة قبل عامين و إغرائه بمليارات الدولارات ، تقديري الشخصي أنَّ ما سرَّبته صحيفة وول ستريت جورنال ليس إلا لخلق بلبلة في الساحة الموريتانيَّة للضغط على الرئيس لإبعاد الصين عن شواطئ موريتانيا الأطلسيَّة وإخلاء الساحة لأمريكا .
و قد أسفتُ أن تجد هذه الافتراءات صدى في موريتانيا، يتلقفها البعض ليشوِّهوا وجه بلادهم كأنهم أعداء لها بدلًا من مساندة رئيسهم ودعمه ، أما فرية الإدعاء بتعرضه لإهانة ، كيف وقد أنهى ترامب الحوار مخاطبًا الرئيس الغزواني قائلا أنت رجل رائع ونبيل ، ولكنها لغة المتصيدون كشكل من أشكال الحرب التي لجأ إليها الملمزون وأصحاب الثأرات القديمة والبطولات الوهميَّة وعملاء المصالح وشريحة بنكيلي من البشمرجة ، رغم أنَّ الرجل استطاع في دقائق أنَّ يحقق لبلاده دعاية ثمنها مئات الملايين من الدولارات أمام إعلام العالم كله ، وهو ما كان يفرض على هؤلاء إن أخلصوا لبلادهم أن يستغلوا هذه الدعاية ويبنوا عليها مواد صحفية وتلفزيونية لتوضيح حجم وأهمية موارد بلادهم ، لكن هؤلاء- للأسف – دأبوا على مهاجمة النظام ورئيسه لأهدافهم الشخصيَّة أو لأهداف من ورائهم .
أخيرًا أقول لبعض حسني النية ممن انجرف تحت الضغط الفكري من هذا الإعلام العدائي الموجَّه و بدأوا العويل المبكر على “نعجة لن تذبح ” : احفظوا بلادكم التي صنع منها الغزواني دولة ، وإن لم تكونوا ترون ذلك فانظروا إلى البلاد حولكم لتعرفوا كيف حافظ الرجل على البلاد لتحافظوا عليه، أما فئة الملمزين وهي الأغلب فهم من تنطبق عليهم ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ ، أقول لهم اتقوا الله في بلادكم وأولادكم ، وتوبوا .