على محمد الشرفاء الحمادي يكتب… الطريق من الظلمات الي النور

في زمنٍ يعاني فيه الإنسان من ألوان الظلم والطغيان وتُسلب فيهالحقوق ويُقهر فيه الضعفاء تشتد الحاجة إلى الهداية بنور الإيمانذلك النور الإلهي الذي جعله الله سبيلًا للخلاص وهاديًا للناس مندروب الضياع إلى مسالك النور والعدالة والرحمة.
إن نور الإيمان ليس وهجًا مؤقتًا بل هو سراج منير يبدد ظلمات الجهلوالظلم ويهدي الحائرين إلى طريق الحق. قال الله تعالى:
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾
[البقرة: 257]
فهو سبحانه الوليّ الحامي يرفع الغشاوة عن القلوب وينقذ من أسرالأهواء ويهدي إلى سواء السبيل.
فالإيمان في حقيقته ليس طقوسًا جامدة أو شعائر مفرغة منمضمونها بل هو منهج حياة متكامل يبدأ من إصلاح القلب لينعكسعلى سلوك الفرد والمجتمع فتتحول القلوب القاسية إلى قلوب رحيمةوتذوب مشاعر الحقد والكراهية في بحر من الرحمة والمحبة يقول اللهتعالى:
﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾
[الإسراء: 82]
وما أحوج عالم اليوم إلى هذا النور في ظل ما نشهده من صراعاتوحروب وفساد مستشرٍ في الأنفس والمجتمعات فاتباع شرع الله القائمعلى العدل والرحمة هو السبيل لتحقيق السلام الاجتماعي والتعايشالإنساني قال تعالى:
﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾
[المائدة: 15-16]
بهذا النور الإلهي يُقام ميزان العدل وتصان كرامة الإنسان ويُبنىمجتمع متراحم متعاون لا مكان فيه للظلم أو الطمع أو الكراهية فدعوةالإيمان دعوة للنهضة الروحية والسمو الأخلاقي وبناء الحضارة علىأسس ربانية كما قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾
[الإسراء: 9]
إنها دعوة للخروج من ظلمات الأنانية والفرقة إلى نور الوحدة والرحمةومن قسوة القلوب إلى رقة الإحسان ومن الكراهية والحروب إلى السلاموالمودة فليكن الإيمان مشعلنا والقرآن دستورنا والرحمة نهجنا علّنانرتقي بإنسانيتنا ونبلغ رضوان الله.
*تكريم الإنسان في القرآن*
لقد بيَّن الله عز وجل في محكم تنزيله أن الإنسان مكرَّم عند الله بغضالنظر عن جنسه أو لونه أو قوميته فقال سبحانه:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُممِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾
[الإسراء: 70]
لكن هل كرم الناس الإنسان كما كرمه الله؟ أم أنهم أهانوه وقيدوا حريتهوامتهنوا إنسانيته؟!
كم من الجرائم ارتكبت باسمه وكم من الدماء سُفكت ظلماً وعدواناً وكلذلك باسم الدين أو السياسة أو المصالح!
*الابتعاد عن القرآن*.. *بداية الانتكاسة*…
إن من أعظم الكوارث التي ألمّت بالمسلمين هو هجرهم لكتاب اللهوابتعادهم عن تعاليمه واستبدالهم شرع الله بروايات وأهواء ومصالححتى انقلبت المفاهيم وتغيرت المقاييس فصار العدل ظلماً والظلم عدلاً…
لقد أنزل الله الكتاب ليكون حَكَماً بين الناس وليهديهم سواء السبيلولكنهم خالفوه وركنوا إلى غيره فاستحقوا وصف الله لهم..
﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ الْظَّالِمُونَ ﴾
[المائدة: 45]
بداية الانحراف بعد وفاة الرسول ﷺ
بدأ الانحراف مباشرة بعد وفاة الرسول ﷺ حين دبّ الخلاف بينالصحابة حول مسألة الخلافة وهو خلاف سياسي بحت تحول لاحقاً إلى صراعات دامية…
ومن أبرز تلك اللحظات التي تحتاج إلى وقفة وتأمل هي حرب الردة حينبادر أبو بكر الصديق إلى قتال من امتنعوا عن دفع الزكاة واتهمهمبالردة فقاتلهم وسقط في هذه الحرب الكثير من الأبرياء….
لكن إذا رجعنا إلى القرآن الكريم فلا نجد أي نص يشرّع قتال الممتنعينعن الزكاة ولا نجد حكماً واضحاً بقتل المرتد بل نجد العكس
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِياللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
[المائدة: 54]
فالآية لم تذكر عقوبة دنيوية للمرتد بل تُرك أمره لله وهو الذي يحاسبهيوم القيامة
وفي آية أخرى قال تعالى:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
[البقرة: 256]
فكيف يُكره أحد على دفع الزكاة بالسيف؟ وكيف يُقتل من يرفضهاوالله لم يأمر بذلك؟!
وإذا كان الامتناع عن الزكاة ذنباً فعقوبته تكون بيد الله وليس بالسيف
بل الأدهى من ذلك أن الله حرم القتل بغير حق تحريماً قاطعاً فقال:
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾
[الإسراء: 33]
الانقسام إلى طوائف ومخالفة أمر الله..
لقد حذرنا الله من التفرق والتمزق فقال سبحانه..
﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾
[الأنعام: 159]
ومع ذلك انقسم المسلمون إلى فرق وطوائف وأحزاب كل حزب بما لديهمفرحون وتركوا الكتاب الذي يجمعهم على كلمة سواء…
العودة إلى القرآن سبيل النجاة..
لن تعود للأمة عزتها وكرامتها إلا إذا عادت إلى كتاب ربها وجعلتهالمصدر الأول للتشريع والهداية لا تقدمه الروايات ولا يزاحمه التقاليد
فالقرآن وحده هو النور الذي يهدي به الله من اتبع رضوانه
قال تعالى:
( قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ • يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ )
[المائدة: 15-16]
فلنتمسك بالقرآن… ليكون الله معنا ولنكن من الذين صدقوا ما عاهدواالله عليه لا ممن خالفوه وضلوا السبيل