معهد الإمام مالك بأطار الانجازات والتحديات
الطيب ولد سيد أحمد
الموريتاني : إقليم آدرار في الشمال الموريتاني إقليم زاخر بالمآثر والمناقب رائد في التاريخ الموريتاني بما له من إشعاع علمي طبق مشارق الأرض ومغاربها, حسبك مثالا على ذلك أنه احتضن مدنا تاريخية كان لها بالغ الأثر في رسم ملامح هذه البلاد المباركة ، وأي بلاد تلك نتحدث عنها ؟ إنها بلاد شنقيط بلاد المنارة والرباط بلاد المليون شاعر …. وتلك المدن هي : شنقيط وودان وتنيقي .
لا يتسع المقام هنا لبسط الحديث عن هذه المدن التي تستحق أن تصنف بالقوة مدنا تاريخية ثلاثها وإن لم يك ذلك لبعضها بالفعل حتى الآن، وذلك بما كان لها من سبق في التأسيس لتاريخ مشرق تغبط عليه هذه البلاد .
الحنين إلى هذا الماضي الذهبي والتطلع إلى إعادة إنتاجه ظل حلما يراود كل الصلحاء الغيورين على دينهم المتشبثين بأمجاد سلفهم الراغبين فيما عند الله من أصحاب الشأن في هذا الإقليم وفي غيره من أقاليم الوطن إلى ان سنحت الفرصة أخيرا لمجموعة من المحسنين من أبنائه لإنشاء مجمع علمي ضخم مؤلف من ثلاث وحدات مستقلة عن بعضها مكانيا يجمعها هدف واحد وتديرها إدارة واحدة، هذه الوحدات هي :
1) معهد جامعي للدراسات الشرعية واللغة العربية.
2) محظرة خاصة بالرجال تعنى بتحفيظ القرآن وتدريس النصوص الشرعية واللغوية وبها سكن داخلي مجهز .
3) محظرة خاصة بالنساء تهتم بتحفيظ القرآن وتدريس النصوص الشرعية واللغوية كذلك .
أولا: المعهد: تم الفراغ من إنشاء وتجهيز مقر هذا المعهد في سبتمبر2004 وهو عمارة من طابقين تضم 19 قاعة تتوزع هذه القاعات على النحو التالي :
أ- ثلاث قاعات كبرى إحداها للمحاضرات والأنشطة الثقافية الجماعية والثانية تضم مكتبة غنية بالمصادر والمراجع الشرعية واللغوية بمختلف فروعهما والثالثة أعدت لتحتضن متحفا للمخطوطات.
ب- خمس قاعات مكاتب: مكتب المدير العام ـ مكتب المدير المساعد ـ مكتب مدير الدروس ـ مكتب المراقب العام ـ مكتب المحاسبة والسكرتاريا .
ج ـ ثمان قاعات فصول دراسية .
ثانيا : محظرة الرجال : وتوجد بمقر فخم وقف عليها مؤلف من إحدى عشرة قاعة تتوزع على النحو التالي: صالون استقبال مجهز ـ قاعة كبري للمحاضرات والدروس الجماعية ـ مكتب لمدير المحظرة ـ مطبخ ـ مخزن ـ ست غرف سكن داخلية مجهزة ـ أفنية متعددة فسيحة داخلية وخارجية يوجد هذا المقر في حائط فسيح يضم واحة نخيل مثمرة وهو بما يحويه وقف على المحظرة .
ثالثا: محظرة النساء: يتألف مقرها من سبع قاعات تتوزع كالتالي: قاعتين كبريين على تصميم طابق:السفلي منهما للاستقبال والعليا للمحاضرات ـ خمس قاعات للدراسة ـ فناء فسيح أمام قاعات الدراسة، يقع هذا المقر في وسط المدينة بين المستشفى المركزي وسوق المدينة وهو وقف على المحظرة .
ـ النشاط العلمي :
نظم معهد الإمام مالك بأطار أول مسابقة لدخوله بتاريخ20/09/2004 وذلك لاكتتاب دفعة أولى من خمسين طالبا بالتساوي بين الرجال والنساء واكتتب طاقما تربويا من أربعة أساتذة ، يراعي في الأستاذ لدى اكتتابه توفر جملة من المعايير : أن يكون خريج محاظر له معرفة مكينة بالنصوص المقررة في المعهد ـ أن يكون أستاذا نظاميا متقاعدا متميزا أثناء خدمته في التعليم النظامي ـ أن يلتزم بتنفيذ برنامج المعهد كما هو مقرر تفسير القرآن الكريم وعلومه والحديث الشريف ومصطلحه والمتون العلمية المعتمدة في مواد الاختصاص وهي( مختصر خليل في الفقه المالكي ـ مراقي السعود في أصول الفقه ـ المنهج والتكميل في قواعد الفقه المالكي ـ ألفية ابن مالك في النحو والصرف ـ لامية ابن مالك في تصريف الأفعال ـ نقاية السيوطي في البلاغة.
إضافة إلى عدة أساتذة متعاونين لتغطية أوقات المواد الأخرى: السيرة النبوية الأدب العربي، الفرنسية والانجليزية ، الرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية …
طريقة التدريس المتبعة في مواد الاختصاص هي كما يلي :
يكتب الأستاذ مقطعا من المتن المقرر على السبورة ثم يقوم بتصحيحه بمشاركة طلابه ثم يشرحه شفهيا شرحا مفصلا مراعيا الفروق الفردية في الاستيعاب بين طلابه ثم يفتح باب الاستشكالات والنقاشات ثم يملي عليهم الشرح أو يوزعه مكتوبا في مذكرة، وهم ملزمون بحفظ النص فضلا عن فهمه على أن يجري لهم اختبارا كتابيا في الحفظ شهريا على الأقل، وتتكفل الإدارة بإجراء امتحانين: نصفي ونهائي في الفهم سنويا .
وموازاة مع انطلاقة المعهد انطلقت محظرتا الرجال والنساء التابعتان له ،أما محظرة الرجال فقد بدأت نشاطها بثلاثة مدرسين ولا يزال بها ثلاثة موزعين على النحو التالي : اثنان معنيان بالألواح والثالث لمتابعة وتفقد محفوظات تلاميذ المحظرة إضافة إلى تدريس العلوم الشرعية والعربية حسب الطلب ،وأما محظرة النساء قد بدأته كذلك بثلاث مدرسات وتزاول العمل فيه اثنـتان الآن إحداهما معنية بتحفيظ القرآن والأخرى بتدريس العلوم الشرعية والعربية .
والغالب أن يكون الإقبال على القرآن كبير لذا تكون هناك لوائح انتظار أما الإقبال على غيره من العلوم فهو دون ذلك .
هكذا إذن بدأ مجمع الإمام مالك بن أنس بأطار مسيرته بهذا الزخم القوي وهكذا استمر حتى اكتملت بنيته التربوية مع بداية السنة الدراسية 2007 ـ 2008 حيث بلغ عدد طلابه مائتي طالب مناصفة بين الرجال والنساء، وبلغ عدد أساتذته المكتتبين رسميا لمواد الاختصاص عشرة يقيمون على نفقة المدرسة إقامة مكفولة بينما بلغ عدد الأساتذة المتعاونين ثمانية ، وفي نهاية نفس السنة نظم أول حفل تخرج لدفعته الأولى وكان حفلا مهيبا تم تحت إشراف السيد رئيس مجلس الإدارة وبحضور السلطات الإدارية الإقليمية والبلدية وأعيان من العلماء والوجهاء وجمهور معتبر من المشجعين والطلاب وزعت خلاله جوائز قيمة على المتفوقين.
وأثناء السنة الدراسية 2008 ـ 2009 بدأ المعهد يعرف بعض الصعوبات لكن مرونة الآليات المتبعة في تسيير الأمور وتضحيات فريق الإشراف الإداري والتربوي مكنت من التكيف والتعامل مع المستجدات إيجابيا بروح رياضة.
ولدى تخرج دفعته الأولى بدأ المعهد يكتتب المتفوقين من خريجيه من ذوي القدرة على تدريس النصوص المقررة .
وما إن حلت 2014 حتى كان هناك اكتفاء ذاتي من خريجيه ليس فقط على مستوى التدريس وإنما باتوا يباشرون كل الخدمات بالكفاءة والانضباط اللازمين لتحمل لواء المؤسسة وفروعها ، فطاقمه الإداري الآن من مدير عام ومدير دروس ومراقب عام وأساتذة ومديري محظرتي الرجال والنساء كلهم الآن من خريجيه مناصفة بين الرجال والنساء ولا أحد يستطيع الطعن في كفاءة هؤلاء لا من تلاميذهم ولا ممن لهم معرفة بعلمهم ، وهي كفاءة مكتسبة أصالة من هذا المعهد الذي تخرجوا فيه والذي برهن خريجوه على جدارتهم في كل المناسبات حتى باتوا معروفين بذلك في أوساط المؤسسات العلمية عموما تستوي في ذلك الأكاديمية منها والمهنية، والعمومية والحرة، وبات من بينهم أساتذة جامعيون الآن وحملة ماستر ومدرسون في التعليم الأساسي والثانوي تم اختيار بعضهم للتدريس في مؤسسات امتياز رسمية ، ومن بينهم كذلك أئمة وشيوخ محاظر كثر في الولاية وفي غيرها …..
استقبل المعهد منذ إنشائه حتى مطلع السنة الدراسية 2019/2020 خمسمائة وخمسين طالبا تمثل نسبة النساء إلى الرجال في هذا العدد أكثر من 60% مرد ذلك إلى أنه ابتداء من سنة2010 تم دمج الفصول ذات المستوى الواحد وحدد عدد المكتتبين سنويا ب(25) طالبا وحينها باتت المنافسة هي الفيصل في تحديد النسب فكانت النساء أكثر إقبالا وانضباطا من الرجال، لأسباب مفهومة فمرونة السفر والاغتراب بالنسبة للرجال تجعلهم أكثر قدرة على تصيد الفرص وتعدد الخيارات في حين يشكل المعهد فرصة ذهبية للنساء ،حيث يتلقين فيه تعليما ممتازا عند عتبات بيوتهن دون ما حاجة إلى سفر.
ولا تسأل عن الأثر الإيجابي لمثل العدد المذكور آنفا فهذا العدد من الشباب المتعلم المتوجه في وسط خير كفيل بأن يشكل نقلة نوعية مشهودة في مختلف ربوع الولاية.
ما يأخذه المراقبون والمهتمون على المحسنين القائمين على هذا المشروع المتميز هو غياب أي خطة عملية مدروسة تطمئن الأطراف ذات الصلة على استمرار هذا المجمع الذي ينتظر منه الكثير ما لم يخصص له من الأوقاف العقارية الريعية ما يكفي لتغطية مصروفاته الضرورية .
فالمنتظر من مؤسسة بهذا الزخم تنشر كتاب الله وتعلم شريعته أن تكون محصنة ضد كل ما يسيء إلى سمعتها، والمساهمات الفردية مهما كان سخاؤها لا يمكن الرهان عليها في استمرار المشاريع الإستراتيجية لأسباب كثيرة لا ضرورة لذكرها ، نعم قد تنفع المساهمات الفردية في المراحل الانتقالية المؤقتة وقد قدم منها الكثير خلال السنوات الماضية ، لكنها عرضة للطوارئ ولا أعتقد أن أحدا يجادل في ذلك .
ولن تكون تلك الأوقاف اللازمة لهذا الغرض أقل أموال الواقفين مردودا عليهم ﴿ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ﴾ فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم .
فطوبى لمن ظفر بالثلاثة ولعل من أهم مظانها إقامة وحسن رعاية مشروع من هذا النوع ، وذلك يسير على من يسره الله عليه