فضيحة سوق السبخة: جريمة نصب بطلها العمدة السابق تهدد السلم الأهلي.. عالي محمد ابنو

في سابقة تكشف عمق الفساد في بعض البلديات، تفجرت بسوق السبخة بالعاصمة نواكشوط واحدة من أجرأ عمليات النصب والاحتيال في تاريخ البلد. بطلها العمدة السابق لبلدية السبخة، الذي استغل آخر أيامه في المنصب ليحوّل السلطة إلى أداة سطو، ضاربا عرض الحائط بالقانون وحقوق المواطنين.
القصة من البداية:
قبيل الانتخابات البلدية الماضية (2023) بفترة وجيزة وحين أدرك العمدة السابق استحالة بقائه في منصبه، لجأ إلى حيلة وُصفت بأنها سطو علني. فقد اتصل بالمستأجرين في سوق السبخة وطلب منهم توقيع عقود إيجار معه، متجاوزا الملاك الشرعيين الذين يملكون تلك المحلات منذ عقود.
المستأجرون – تحت إغراء سلطة المنصب ووعد الامتياز – دفعوا للعمدة إيجار ثلاثة أشهر مقدما. وهكذا جمع العمدة السابق مبالغ ضخمة في صفقة نصب لم يشهد لها البلد مثيلا.
صدمة الملاك:
عندما طالب الملاك الشرعيون مستأجريهم بدفع الإيجار، جاء الجواب الصاعق: “لقد دفعنا للعمدة السابق”. عندها لجؤوا إلى اتحادية التجار المشرفة على السوق، التي تأكد لها أن العمدة قبض الأموال دون أي سند قانوني.
يقول أحد الملاك بمرارة:
“هذا المحل بنيته بعرق جبيني وبذلت فيه كل ما أملك، وليس لي مصدر دخل غيره، لأكتشف أن العمدة باعه أو استأجره دون علمي. لقد خدع المستأجرين وسلبنا أموالنا في وضح النهار”.
تدخل البلدية والقضاء:
العمدة الجديد سارع بعد تسلمه المهام إلى إصلاح الفوضى، فأمر المستأجرين بالعودة إلى ملاكهم الشرعيين. غير أن بعض المستأجرين، بتحريض من الجهة السياسية للعمدة السابق، رفضوا القرار ورفعوا طعنا أمام الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا.
لكن القضاء حسم الأمر وأصدر قراره القاضي بأن السوق مملوك لخواص منذ عقود، والعمدة السابق لا يملك أي حق قانوني في تأجيره. وبالتالي، إما أن يدفع المستأجرون لملاك المحلات أو يُخلوها.
أصوات متناقضة:
قال أحد المستأجرين بلهجة ساخرة:
“عسكري سابق يؤطرنا ويقول لنا: ما دام النزاع مستمرا فأنتم في نعيم.. لا تدفعون إيجارا ولا تتحملون التزامات. نرجو أن يطول هذا النزاع إلى ما شاء الله.
لكن آخر رفض الدخول في اللعبة فيقول:
“حاول العمدة السابق أن يجرني إلى مخططه الخبيث، لكنني تمسكت بالقانون. ظللتُ أدفع الإيجار لمالك المحل حتى الآن، ولم أدخل في أي نزاع”.
خطورة التمادي:
لا تكمن الفضيحة في احتيال العمدة السابق فقط، بل في عقلية بعض المستأجرين الذين رأوا في الفوضى فرصة للاستحواذ على ما لا يملكون.
خبير قانوني علّق:
“إذا سُمح لمستأجرين بالاستيلاء على أملاك الغير، فإن أسس الملكية الخاصة ستنهار، وسينهار معها استقرار البلد بأكمله”.
إنذار أحمر:
قضية سوق السبخة لم تعد مجرد نزاع محلي حول الإيجار، بل إنذار أحمر عن مستوى الاستهتار بالقانون وبقوة السلطة وفاعلية مؤسساتها التي يفترض أن تحمي المواطنين وتحمي ممتلكاتهم وتمنع الظلم.
إنها فضيحة تضرب سمعة البلد في العمق، وتستدعي محاكمة العمدة السابق بلا تأجيل، حماية لهيبة القانون وصونا لحرمة الملكية ومنعا لتكرار مثل هذه الكوارث.
الملف أكبر من مجرد نزاع على إيجار محلات تجارية في سوق شعبي، بل إنه مرآة لواقع تتغذى فيه الفوضى من ضعف القانون، ويُترك فيه المواطن ضحية بين مطرقة فساد المسؤول وسندان جشع المنتفعين.
إنها فضيحة تفرض على الدولة أن تتحرك بجدية، فإما أن تلاحق العمدة السابق جنائيا وتعيد الاعتبار للقانون، أو أن تتحمل مسؤولية فتح الباب أمام سابقة خطيرة ستتكرر في بلديات أخرى، مع ما يترتب عليها من تهديد مباشر للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للبلد.