المهرجانات الثقافية في موريتانيا: رافعة للتنمية أم مناسبات احتفالية عابرة؟ .. تقرير الموريتاني

شهدت موريتانيا خلال العام الجاري تنظيم عدد من المهرجانات الثقافية والتنموية في عدة ولايات ومناطق داخلية، أبرزها مهرجان وادان الثقافي، مهرجان مدائن التراث في تيشيت، ومهرجانات موسمية في الشرق والجنوب، والشمال الموريتاني إلى جانب فعاليات ثقافية حضرية في العاصمة نواكشوط.

وقد جاءت غالبيتها برعاية رسمية من الحكومة، ممثلة في قطاعات الثقافة، السياحة.

وتباينت آراء المواطنين والمهتمين بالشأن العام حول هذه الفعاليات، بين من يراها فرصة حقيقية لتنمية المناطق المستهدفة عبر تحفيز الاقتصاد المحلي وتسليط الضوء على الموروث الثقافي، وبين من يعتبرها مجرد سهرات موسمية لا تُترجم إلى تنمية فعلية على أرض الواقع.

دعم رسمي ورؤية ثقافية

بحسب الجهات المنظمة، فإن المهرجانات تأتي ضمن رؤية استراتيجية تهدف إلى:

  • إحياء التراث الثقافي الوطني،
  • إنعاش السياحة الداخلية،
  • تشجيع المنتوجات المحلية،
  • وتفعيل الديناميات الاقتصادية في المناطق الأقل حظاً من التنمية.

وقد أكد مسؤولون حكوميون في تصريحات سابقة أن هذه المهرجانات ليست ترفًا ثقافيًا، بل جزء من سياسة الدولة الرامية إلى ربط الثقافة بالتنمية المستدامة، عبر خلق فرص عمل مؤقتة ودائمة، وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي، لا سيما في مجالات النقل، الإيواء، الصناعات التقليدية، والخدمات.

مؤشرات على الأثر التنموي

في بعض المدن التي احتضنت هذه الفعاليات، لوحظ ارتفاع مؤقت في النشاط الاقتصادي، حيث شهدت الأسواق المحلية انتعاشًا ملحوظًا خلال أيام المهرجانات، وازداد الإقبال على الحرف اليدوية والمنتجات التقليدية.

كما تم، في بعض الحالات، تهيئة البنى التحتية (كالطرق والمرافق العامة) قبل انعقاد المهرجان، مما ترك أثرًا مستدامًا ولو محدودًا.

وقد نُظمت على هامش بعض المهرجانات ورشات تكوينية للشباب في مجالات مثل التصوير، الإدارة الثقافية، وريادة الأعمال.

وجهة نظر معارضة: سهرات بلا مردود

في المقابل، يرى عدد من المواطنين والناشطين أن هذه المهرجانات لم تتجاوز الطابع الاحتفالي والفني، وتكررت فيها نفس الوجوه والعروض، دون تقديم إضافة حقيقية للمناطق المستضيفة.

ويعتبر هؤلاء أن غياب رؤية تنموية واضحة، وربط المهرجانات بخطط اقتصادية واجتماعية متكاملة، يحوّلها إلى مناسبات موسمية تنتهي بانتهاء السهرات، دون أن يشعر المواطن البسيط بأي فرق في معيشته اليومية.

كما أشار البعض إلى ما وصفوه بـ”الطابع المركزي لتنظيم الفعاليات”، حيث يتم جلب الفرق والمشاركين من العاصمة، دون منح فرصة حقيقية لأبناء المناطق للمشاركة أو الاستفادة.

الحاجة إلى تقييم واستدامة

وسط هذا الجدل، يرى خبراء ومراقبون أن المطلوب هو إعادة تقييم شامل لتجربة المهرجانات في موريتانيا، من حيث أهدافها وآليات تنظيمها ومردودها على السكان المحليين.

وينصح هؤلاء بتحويل هذه الفعاليات إلى منصات دائمة للتنمية الثقافية والاقتصادية، وربطها ببرامج موازية في التكوين، السياحة، دعم المقاولات الصغيرة، والتسويق الرقمي للمنتجات المحلية.

كما يُقترح اعتماد مقاربة تشاركية في التنظيم، تضمن إشراك المجتمعات المحلية في وضع البرامج وتحديد الأولويات، مع التركيز على تنمية البنية التحتية الثقافية والفنية للمناطق المستفيدة.

خلاصة

يبقى النقاش مفتوحًا حول دور المهرجانات الثقافية في التنمية، لكن المؤكد أن الثقافة حين تُدار برؤية واقعية ومتكاملة، يمكن أن تتحول إلى رافعة قوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

أما إذا بقيت مجرد احتفالات موسمية، فستظل محل تشكيك وتساؤل من قبل المواطن العادي الباحث عن تحسين ظروف عيشه.

زر الذهاب إلى الأعلى