على محمد الشرفاء الحمادي يكتب خواطر على هامش التدبر

على محمد الشرفاء الحمادي يكتب خواطر على هامش التدبر

في عالمنا المعاصر، بات الإنسان يعيش في مفترق طرق بين ما يحقق سعادته ويؤمن له سلامه النفسي والروحي، وبين التحديات التي تفرضها الحياة بكل تعقيداتها. وفي وسط هذه التحديات، تظل رسالة الإسلام، بما تحمله من قيم وأخلاقيات، الحل الأمثل الذي يرشد الإنسان إلى طريق الحق ويعصمه من الوقوع في الفتن والضلالات. فالرسالة الإسلامية التي وضعها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، جاءت لتحقق للإنسان سعادته وتوجهه نحو طريق الطمأنينة والاستقرار، بعيدًا عن المعاصي والمفاسد التي تلوث فطرته وتلهيه عن سعيه الدؤوب نحو الرقيّ في حياته الدنيا والفوز في الآخرة.

إن الله سبحانه وتعالى، بحكمته ورحمته، أراد أن يضع للإنسان القواعد المنظمة لعلاقاته مع الآخرين، ومن خلالها يتمكن من العيش في عالم آمن يسوده السلام والعدل. هذه القواعد ليست مجرد شريعة يلتزم بها الإنسان، بل هي منهاج حياة متكامل، يشمل كل جوانب التعاملات الإنسانية، سواء كانت في الأسرة أو المجتمع أو حتى مع الكائنات الأخرى. ولقد وضع الله سبحانه وتعالى تلك التشريعات لحماية الإنسان من كل سوء، ومنحته الدرع الواقي من الذنوب والمعاصي، كي يجد في نفسه السكينة والطمانينة.

الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يملك القدرة على حماية الإنسان وتوجيهه، وهو الذي أرسل رسوله ليكون دليلاً للناس إلى طريق الحق. في كتابه العزيز، وجّه الله الإنسان بآيات عظيمة تدعوه للتمسك بالهدى، وتحثه على أن يكون له نفس مطمئنة، وأن يبتعد عن مكايد النفس الأمارة بالسوء. يقول سبحانه وتعالى: “فَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ” (الزمر: 67). فالله جلّ جلاله هو الذي يملك الأرض والسماوات، وهو الذي يملك مصير الإنسان في الدنيا والآخرة.

لقد وضع الله، بفضل حكمته، مشروعًا إلهيًا متكاملًا لتحقيق مصلحة الإنسان على جميع الأصعدة. وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بأبعاد كثيرة في حياة الإنسان، فجاءت لتوجهه في معاملاته مع الناس على أساس من العدل والمساواة والرحمة. فالإسلام لم يأتِ ليفرق بين البشر على أساس الدين أو العرق، بل حث على التعاون بين البشر جميعًا على البر والتقوى، وأرسى قاعدة مهمة في الحرية الدينية، كما في قوله تعالى: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” (البقرة: 256).

وفي ظل هذا المنهج القرآني، تكون المصلحة العامة في الإسلام هي مصلحة الجميع، والهدف الأسمى هو إرساء الأمن والسلام بين بني الإنسان. وقد تكفل الإسلام بحماية الفقراء والمحتاجين من خلال فرض الزكاة التي تمثل حقًا لهم في أموال الأغنياء. فالله سبحانه وتعالى يقول: “وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ” (الذاريات: 19). حيث يتم توزيع الزكاة بنسبة عشرين في المئة من أموال الأغنياء، في سبيل تضييق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وتحقيق التوازن الاقتصادي، بما يحفظ للإنسان كرامته وحياته الكريمة.

إن الإسلام لم يترك شاردة ولا واردة في حياة الإنسان إلا ولها حلاً في تشريعاته. فقد وضع نظامًا يحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي، ويراعي حقوق الأفراد ويؤكد على واجباتهم في نفس الوقت. وقد جاء القرآن الكريم بآيات عديدة تحذر من المعاصي والمفاسد التي تضر الإنسان وتفكك المجتمع، وتحث على الوقوف ضد الظلم والطغيان. وقد أكد الله سبحانه وتعالى على حرمة العدوان والسرقة والقتل، مع الإشارة إلى أن من يعصيه ويتعدى حدود الله سيكون عرضة لعواقب في الدنيا وفي الآخرة.

لقد تم تحريف رسالة الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث تم الخلط بين السلطة الإلهية والسلطة البشرية، مما أدى إلى انحراف في فهم الإسلام وتطبيقه. وأصبحت الحروب والتسلط على الشعوب وسلب ثرواتها باسم الإسلام، وهي ممارسات لا علاقة لها بمبادئ الدين السمحة. وقد أدى هذا الخلط إلى نشوء صورة مشوهة عن الإسلام، مما دفع بعض الأمم والشعوب إلى مقاومة هذا العدوان ورفض هذا الفهم المنحرف.

إننا اليوم بحاجة ماسة إلى تصحيح هذه الصورة وإعادة الإسلام إلى ما كان عليه في جوهره رسالة عدل ورحمة وسلام. فقد أساء بعض من اعتبروا أنفسهم حراسًا للإسلام بتصرفاتهم تلك، وبدلاً من أن ينشروا رسالة السلام والعدالة، أسهموا في نشر الحروب والدمار. لهذا، فإن مسؤوليتنا اليوم هي إحياء المبادئ التي جاء بها القرآن، والعمل على نشر الرسالة الحقيقية التي تعزز التعايش بين الناس، وتؤكد على أهمية الإنسانية في تعاملاتها مع بعضها البعض.

ولا بد من التأكيد على أن الإسلام قد جاء ليحقق سعادة الإنسان وطمأنينته، وعلينا أن نعيد فهمه ونعود إلى مناهجه الأصلية، بعيدًا عن التفسيرات الخاطئة والتحريفات التي شوهت معناه. يجب أن ندرك أن الإسلام هو الدين الذي جاء ليحقق التوازن في حياة الإنسان، ويمنحه ما يحتاجه من هداية ورحمة وسلام. كما قال الله تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” (الإسراء: 70).

إن العمل على رد الاعتبار للإسلام، وإبراز معانيه النبيلة، هو أمر في غاية الأهمية في وقتنا الحالي. فلنعد إلى روح الإسلام كما أنزل الله، ولنحرص على تطبيقه على أرض الواقع بما يحقق مصلحة الإنسان ويصون كرامته. وعلينا أن نتذكر دائمًا أن الإسلام هو رسالة نور، وصدق الله حيث قال: “يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (النساء: 26).

الخاتمة:
لقد آن الأوان لنعيد الإسلام إلى مكانه الصحيح، بعيدًا عن التشوهات التي لحقت به عبر الزمن. لنكن دعاة سلام، وحمَلة عدل ورحمة، نسعى لتطبيق تعاليمه بكل إخلاص، لتعود رسالة الإسلام إلى البشرية كما أرادها الله سبحانه وتعالى: رسالة هداية ورحمة، طريقًا للإنسانية نحو حياة طيبة آمنة، ينعم فيها الجميع بالمساواة والعدل والاستقرار.