رسائل حبّ عبرت القلوب والأجيال …كشفت الأسرار والمشاعر
الموريتاني : تغيّر شكل رسالة الحب وأسلوبها مع التاريخ والوسيلة، فمن الألواح الطينية إلى أوراق الأشجار والأخشاب إلى الورق الذي نعرفه اليوم إلى الرسائل الإلكترونية، إلا أن مضمون الحب لم يتبدل.
وتبدو رسائل الحب من أكثر المستندات التي توثق أحداث العلاقات التي تحرّك حواس البشر، ومنها استقيت القصص والأفلام، كما أنها كشفت أسرار شخصيات كتابتها وعرّفت بالأحداث التي عاشوها. وتاليا نتعرف إلى بعض الرسائل وشخصياتها.
رسائل إلى غادة السمان
نشرت الأديبة السورية غادة السمان عام 1992 كتاب رسائل حب لها من الأديب والمناضل الراحل غسان كنفاني (1936-1972)، شكل صدمة في الأوساط الأدبية، فانقسم بين من أيّد نصرة للأدب، ومن عارض كشف مشاعر رجل متزوج راحل.
المهم أن كتاب “رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان” حمل عبارات حب جارف، في كلمات تقطع الأنفاس لتظهر الرقة في شخصية المناضل الشهيد.
وهذه بعض الأسطر من عدة رسائل: “أنتظرك… وأفتقدك أكثر مما في توق رجل واحد أن يفتقد امرأة واحدة، وأحبك، ولن أترك سمائي التي تحدثت عنها (تفجر الثلج)، إنني فخور بآثار خطواتنا ولا أريد لشيء، حتى السماء، أن تكنسها”.
ومن رسالة أخرى “أنت وأنا اعتقدنا أن في العمر متسعا لسعادة أخرى، ولكننا مخطئون، المرأة توجد مرة واحدة في عمر الرجل، وكذلك الرجل في عمر المرأة، وعدا ذلك ليس إلا محاولات التعويض…”.اعلان
وعادت السمان لتنشر عام 2017 رسائل الشاعر اللبناني الراحل أنسي الحاج (1937-2014) إليها، وكانت وطأتها أقل من الكتاب الأول.
وفي إحدى رسائله كتب: “ليتك تعلمين كم أنت أساسية وخطيرة وحساسة. ليتك تعلمين كم أنت حيوية ولا غنى عنك. ليتك تعلمين كم أنت كل شيء في صيرورتي. ليتك تعلمين كم أنت مسؤولة الآن. لو تعلمين إلى أي درجة أنت مسؤولة عن مصيري الآن لارتجفت من الرعب. لقد اخترتك. وأنت مسؤولة عني شئت أم أبيت. لقد وضعت لعنتي الحرة عليك”.
مي وماري وسطوة رسائل جبران
تبادل الكاتب اللبناني جبران خليل جبران الرسائل مع الأديبة الفلسطينية اللبنانية مي زيادة (1886-1941)، وتبادلا فيها الآراء الأدبية والحب من دون لقاء.
وفي رسالة منها يكتب “تقولين لي إنك تخافين الحب، لماذا تخافين يا صغيرتي… أنا أعلم أن القليل من الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني. أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل، نحن نريد الكثير. نحن نريد كل شيء، نحن نريد الكمال… لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي. علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة”.
كما جمعت جبران علاقة حبّ بالأميركية ماري إليزابيث هاسكل التي اعترف غير مرة بفضلها عليه، وخلدها في رسمه لها وتبادلا الرسائل.
يقول في إحدى رسائله: “حينما يعتريني الغم، يا عزيزتي ماري، أقرأ مكاتيبك (رسائلك). حينما يغمر السديم الأنا في داخلي، آخذ اثنتين أو ثلاثا من رسائلك من الصندوق الصغير وأعيد قراءتها. إنها تذكّرني بذاتي الحقيقية. إنها تجعلني أبصر كل هين وجميل في هذه الحياة. ينبغي لكل واحد منا، يا عزيزتي ماري، أن يجد ملاذا في مكان ما. وملاذ روحي جنّة غنّاء حيث تحيا معرفتي بك”.
جوزفين ترش وسائد نابليون بالعطر
أحبّ الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت، ماري جوزف روز تاتشر دي لا باجيري، وأسماها جوزفين، وكانت أرملة تكبره بستة أعوام، ويقال إنه رغم انفصالهما لم يتوقف يوما عن حبها. وإنها يوم رحلت بعدما طلقها باكيا رشت عطرها على الوسائد في منزله كي تعذبه.
وقد كتبت جوزفين مرة لصديقتها “زوجي لا يحبني، إنه يقدسني… أظن أن من المستحيل أن أكون سعيدة أكثر مما أنا عليه”.
أما نابليون فقد كتب لها في إحدى رسائله عام 1796: “لم أمضِ يوما واحدا من دون أن أحبك ولا ليلة واحدة من دون أن أضم طيفك… وما شربت كوبا من الشاي من دون أن ألعن العظمة والطموح اللذين اضطراني أن أكون بعيدا عنك… إن اليوم الذي تقولين فيه إن حبك قد نقص هو اليوم الذي يكون نهاية حياتي”.
سيمون وسارتر.. من القوة إلى الحنان
جان بول سارتر فيلسوف الوجودية، أحب زميلته الكاتبة سيمون دي بوفوار عام 1929، وأصبحا ثنائيا فكريا وعاطفيا في آن معا، ليسطرا واحدة من أكثر قصص الحب تشعبا وغرابة.
ورغم أنها رفضته في البداية، فإنه عاد وفطر قلبها طوال حياته، فاهتمت به في مرضه وظلت تقرأ له وتعينه على آلامه.
كتب لها سارتر ذات مرة “أردت أن آتيك بسعادتي كمنتصر وأضعها أسفل قدميك كما كان الرجال يفعلون في عصر ملك الشمس. ثم -متعبا من كل صراخي- أخلد إلى الفراش. أنا اليوم أفعل هذا من أجل متعة لا تعرفينها بعد، متعة الانتقال المفاجئ من الصداقة إلى الحب، من القوة إلى الحنان”.
وزاد “الليلة أحبك بطريقة لم يسبق لك اكتشاف وجودها فيّ. لست مرهقا من الترحال ولست محاصرا برغبتي في وجودك قربي. إنني أتقن فنّ حبي لك وأحوّله إلى عنصر أساسي من عناصر نفسي. هذا يحدث أكثر بكثير مما أعترف لك به”.