علي الشرفاء الحمادي يكتب : الوطن العربي .. خرائط من الدم وأمة بلا حلم

– ” العرب ” أكبر أكذوبة في كتب التاريخ || سلالة حلم ميت وتاريخ يرفض أن يتعافي .. من نكسة إلى نكبة

  • الوحدة العربية ” حلم ذبحه أبناؤه .. ألف وأربعمائة عام من الضياع .. جغرافيا مشتركة ومصير متناحر
  • من المحيط إلى الخليج بحور من الجراح .. على ضفاف الخذلان يرقد الحلم العربي جثة بلا كفن

منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، رحل النبي محمد صلي الله عليه وسلم وترك أمة تتشارك لغة واحدة، لكنها عجزت، منذ ذلك اليوم وحتى اللحظة، عن أن تبني على هذا القاسم الحضاري وحدةً سياسية أو مشروع مشترك طويل النفس.

  • من اليمن إلى الجزيرة

ومن يعتقد أن وحدة اللغة كافية لبناء كيان عربي متماسك، فليُراجع الجغرافيا والتاريخ والتركيبة السكانية ، العرب ليسوا قبيلة واحدة ولا حتى سلالة متجانسة ” من اليمن إلى الجزيرة، ومن الشام إلى المغرب ” ، تعيش شعوب تمازجت دماؤها مع الأمازيغ والبربر والفرس والأتراك وغيرهم، بينما تفرّعت لهجاتها، وتباينت مصالحها، وتناقضت رؤاها .

  • الحروب أكلت الأخضر واليابس

حتى الأخطار الكبرى لم توحّدهم ، لا الاستعمار، ولا العدوان، ولا مشاريع الهيمنة ، لم يظهر عدو خارجي يُرغمهم على الاصطفاف، ولا حلم داخلي يحرّضهم على التوحّد ، الحروب بينهم أكلت الأخضر واليابس، وتركت في النفوس جراح لم تلتئم، وذاكرة مشبعة بالخذلان والتوجس، وكأنهم أعداء محكومون بالتجاور القسري .

العرب  منذ انقسامهم جغرافياً بين المشرق والمغرب عاشوا واقعاً لا علاقة له بفكرة الأمة ، ظلوا قبائل تتنازع النفوذ، وأقاليم تُدار من الخارج، حتى جاءت حقبة الاحتلال البريطاني والفرنسي في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، لتقسمهم رسمياً وفق خطوط سايكس بيكو .

حتى بعد التحرر الاسمي من الاستعمار، لم تولد الأمة الموعودة، بل تفجرت الصراعات على الكراسي، والانقلابات العسكرية، والتناحر السياسي بين أنظمة تبحث عن البقاء أكثر مما تطمح إلى الوحدة .

  • جمال عبد الناصر والعروبة

وفي الخمسينيات، حاول جمال عبد الناصر أن يصنع من ” العروبة ” مشروع يعيد للأمة نبضها، وللشارع العربي كرامته، مستغلًا زخم العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، وانفجرت الجماهير في كل مكان، تهتف للقاهرة، ولناصر، وللقومية ، لكن الحلم خرج عن النص .

تحوّلت القاهرة إلى معسكر اشتراكي، تمت مصادرة المصانع والبنوك، وبدأت العلاقة العضوية مع الاتحاد السوفيتي ، وحين حاول ناصر تصدير ” الثورة ” إلى سوريا، وُلدت الوحدة عام 1958، لكنها ماتت سريعاً في 1961، بعدما اكتشف السوريون أن ” الوحدة ” كانت أسماً حركياُ للهيمنة المصرية .

  • تكرار المأساة في اليمن 

وفي اليمن، تكررت المأساة ، انقلاب عام 1962 اعتبره ناصر فرصة لغسل خيبة الانفصال السوري، فأرسل الجيش المصري ليقاتل هناك، بينما وقفت السعودية بكل ما تملك لدعم الإمام البدر خوفًا من تسرب شرارة الانقلاب إلى داخل المملكة .

تحولت اليمن إلى محرقة بين طرفين عربيين : ” مصر والسعودية”دماء عربية سالت على أرض عربية، بأيدٍ عربية، لخدمة مصالح لا علاقة لها لا بالوحدة، ولا بالحرية، ولا بالكرامة .

  • سقوط سيناء والحولان

وفي الخامس من يونيو عام 1967، جاءت الكارثة ،،سقطت سيناء والجولان والضفة الغربية، وظهرت إسرائيل الدولة الهجينة التي صنعتها القوى الكبرى متفوقة على العرب مجتمعين، سياسياً وعسكرياً .

في تلك اللحظة المفصلية، كان يُفترض أن تُراجع الأمة نفسها، أن تلتئم الجراح، وتوضع قواعد جديدة للتعاون العربي ، لكن لا شيء من ذلك حدث.

  • بيت العرب نادي مغلق

الجامعة العربية، التي يُفترض أن تكون بيت العرب، تحوّلت إلى نادي مغلق للبيانات البروتوكولية ، لم تتبنَّ يوم مشروع فعلي للمصالحة الشاملة، ولا أنشأت محكمة عربية تضمن حل الخلافات، ولا فرضت على أعضائها التزام أخلاقي بعدم التدخل في شؤون بعضهم البعض .

لماذا لم يتم إعادة هيكلة الجامعة أو خلق بديل أكثر ديناميكية وفعالية ؟ لماذا لم تخرج مبادرة حقيقية لإحياء الحلم العربي بدلًا من دفنه تحت رماد الشعارات ؟

  • حروب وانقلابات ومؤامرات

ما تبقى من القرن العشرين كان فصول متكررة من الخيبة : حروب أهلية، انقلابات، اغتيالات، ومؤامرات ، من لبنان إلى العراق، ومن ليبيا إلى السودان، كل شيء كان يُدار ضد فكرة الوحدة، وضد حتى مجرد التعايش ،سالت دماء غزيرة، وسقط ملايين الأبرياء في طرقات عربية بلا معنى .

في ضوء هذا المشهد، يحق لنا أن نسأل: من هم العرب ؟ وأين هم العرب ؟

هل ما زالت هناك ” أمة ” عربية فعلاً ؟ أم أن ما نتغنى به في أناشيد الصباح ليس سوى وهم صنعه الحالمون، وروّج له الزعماء بحثاً عن الزعامة لا الكرامة ؟

نعم، من حقنا أن نحلم ، لكن ليس من حقنا أن نخدع أنفسنا ، فإذا كنا قد فشلنا في الماضي، وفشلنا في الحاضر، فبأي منطق نحلم بمستقبل مختلف ؟

الأحلام لا يصنعها الكلام ، بل تبنيها الإرادة، ويصونها الإخلاص، ويقودها مشروع مشترك .. وكل هذا لم نمتلكه يوماً .

الوحدة العربية ، جميلة على الورق مستحيلة في الواقع ، ما لم نتطهر من عقدنا ، ونتعلم من جراحنا ونتواضع أمام التاريخ .. اللهم اني قد بلغت اللهم فاشهد .

زر الذهاب إلى الأعلى