عمى القلوب التي في الصدور / الولي سيدي هيبه

بورجوازية قبلية، عشائرية، لوبياتية، متشابكة المصالح، متنافرة في ظاهرها، لكنها متفقة سرا على تبادل الأدوار بحسب ما تمليه المصالح وتقترحه نجوى الغرف المغلقة…
حين يغيب الحياء عن ضمير الأمة، وتضطرب موازين الأخلاق، ويتسلل الخراب إلى نسيج المجتمع، وتتوحش السياسة حتى تستبد، ويتقهقر الوعي الثقافي إلى حدود التكلس، وتستحكم شهوات الدنيا في النفوس، وتلتف الفتاوى الملتوية على مقاصد الشريعة، وتتضخم “الأنا” العمياء في الصدور الغافلة ـ ولو على خلفية هدوء خادع يغري بالاطمئنان ـ يصبح الركود الذهني والتقاعس العملي شكلًا من أشكال الرضا المذلّ، وتعبيرًا عن استقالة جماعية من المسؤولية.
في تلك اللحظة الفارقة، يدان الحاضر بالعجز عن تحقيق التوازن، ويُحكم على المستقبل بالانسداد، فلا أفق ولا بريق يرتجى.
لقد علمتنا تجارب الشعوب، في أكثر من رقعة على هذه الأرض، أن الطمأنينة الكاذبة لا تصمد طويلا أمام سنن التاريخ. فكم من أمةٍ خدعتها سكينة مؤقتة، حتى باغتتها الفوضى، وانفجرت فيها الحروب الأهلية، فأكلت الأخضر واليابس، وقوضت أوهام النخب المصطنعة التي احتمت بهدوء خادع، ظنته حصنًا منيعًا.
-ألم يشتعل لبنان (1975-1990) على إثر شرارة نزاع فئوي تافه؟
-ألم تتفجر حروب ليبيريا وسيراليون على أيدي “العائدين” من وراء الأطلسي، ممن امتطوا أوهام حضارة مستعارة؟
-ألم تكن شرارة تونس في 2010 إلا صرخة حارقة في وجه فجوة سحيقة بين الحاكمين وأذنابهم، وبين شعب مسحوق لا يُرى؟
-ألم تكن ليبيا سوى مرآة لاستبداد خانق، وسعي أرعن لتوريث الحكم؟
ألم تصل سوريا إلى الهاوية بسبب تناحر الفئات المغلوبة على أمرها والفئات المتسلطة التي حبست ثورتها في عنق الزجاجة، تحت قبضة قلة؟ -ألم يقع اليمن فريسة رحى القبلية المتجذرة، وقد ارتدت لباس المذهبية التي جزأته؟
فمن أين لنا أن نطمئن؟ وما الذي يحمينا من المآل ذاته، ونحن نشهد المال محتكرا بيد أرستقراطية قبلية ضيقة، تتقاسم فيما بينها:
• الجاه،
• القرار الفعلي (الحرابة)،
• الكلمة المسموعة،
• صدارة المشهد في شؤون الدولة والدنيا.
قبضة محكمة على مفاصل الاقتصاد والسياسة والمصائر، بينما يترك لغيرهم فتات الولاء والتبعية العمياء.
أليس هؤلاء من يملكون المصارف التي تحمل أسماء القبائل؟
أليسوا أصحاب المكاتب التي تعقد فيها الصفقات في الظل؟
أليسوا من يمتلكون المدارس الخاصة والجامعات الارتجالية التي تفتقر لأبسط المقومات الأكاديمية؟
أليسوا من يشيدون العمارات في سن المراهقة، ويملؤون الأسواق بمشاريع لا هدف لها إلا دفن المال السهل في جدران بلا مردود على الدولة والشعب؟ أليسوا من يحتكرون الاستيراد، ويتحكمون في أسعار الوقود، ويصنعون الأزمات الاقتصادية عند الحاجة؟ أليسوا من يهيمنون على الأحزاب، موالاة ومعارضة، وعلى الإعلام التقليدي والمنصات المدفوعة الأجر؟ أليسوا من يرسلون أبناءهم إلى أرقى الجامعات، ليعودوا مباشرة إلى المناصب دون مسابقة ولا كفاءة من بعد ما يمروا مر الكرام بوظيفتي المستشار والمكلف بمهمة؟
إنها بورجوازية قبلية، عشائرية، لوبياتية، متشابكة المصالح، متنافرة في ظاهرها، لكنها متفقة سرا على تبادل الأدوار بحسب ما تمليه المصالح وتقترحه نجوى الغرف المغلقة.
فهل يعقل أن يظل هذا المسار “السيباتي” سيفًا مُصلتًا على عنق بلد ولد من رحم “اللا دولة”، فيما شعبه يتوق إلى المواطنة العادلة والتوازن الاجتماعي؟
أم أن عمى القلوب سيبقى ماسكا بدفة الواقع، دافعا به إلى تخوم المجهول، حتى تلتهمه الفوضى المتربصة؟

زر الذهاب إلى الأعلى