عبر تسييس الإفتاء.. مصر تشن حرباً على الدراما التركية

الموريتاني : تعد دار الإفتاء المصرية، التي أنشئت في عام 1895، في طليعة المؤسسات الإسلامية التي تتحدث بلسان الإسلام في مصر، وتدعم البحث الفقهي بين المشتغلين به في كل بلدان العالم الإسلامي، إلا أن دورها بدأ يأخذ أبعاداً أخرى على علاقة بتوجه السلطة السياسية.

وبحسب ما يعرف عنها فإن دورها يتجسد بتعريف المسلمين المعاصرين بأصول دينهم، وتوضيح معالم الإسلام، وإزالة ما التبس من أحوال دينهم ودنياهم، والكشف عن أحكام الإسلام في كل ما استجد على الحياة المعاصرة.

وللمؤسسات الدينية، ومنها دار الإفتاء المصرية، دور في تبيان الالتباسات والأخطاء في الأعمال الفنية مثل المسلسلات والأفلام التاريخية، وكان لهذه المؤسسات تدخل في عدد غير قليل من الأعمال الفنية المعروفة، وإبداء الرأي في أحداث تاريخية إسلامية.

وكان فيلم “الرسالة” الذي يعتبر أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي جسدت التاريخ الإسلامي، خضع لآراء إحدى هذه المؤسسات الدينية، وكان لها دور في حذف مشاهد منه، بحسب ما يذكر نجل مخرج الفيلم في حديث صحفي سابق؛ من أنه تمت دراسة نصّ السيناريو صفحة بصفحة من قبل علماء الأزهر في القاهرة، وتم حذف العنوان الذي كان “محمد رسول الله” وأعيدت تسميته ليصبح “الرسالة”.

المسلسلات مصدر دخل لتركيا

في تركيا، بعد أن حققت أعمال درامية ذات طابع اجتماعي قبل نحو عشرة أعوام مشاهدات عالية في مختلف الدول العربية، ما جعل الجهات الحكومية تنتبه إلى هذا المصدر واضطرها لدعمه لتعزيز الدخل.

وهو ما فعله الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي ظهر في عدة مرات برفقة ممثلين أتراك، وأصبحت الأعمال التركية تعرض على شاشات 156 دولة بحجم تصدير بلغ قرابة 350 مليون دولار.

وأرجع أردوغان، في كلمة ألقاها خلال حضوره فعالية ثقافية العام الماضي، الفضل في الانتشار الذي تحقق للأعمال الدرامية التركية إلى دعم حزب العدالة والتنمية للقطاع الفني والثقافي في البلاد.

وأعرب الرئيس التركي عن شكره للفنانين الذين اعتبرهم يسهمون من أجل رفع شأن تركيا.

أردوغان لفت النظر إلى أن حكومة حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه زادت الدعم للأنشطة الثقافية في البلاد 50 ضعفاً مقارنة بالوضع عام 2002.

وأضاف أن تركيا تحولت إلى ماركة عالمية في مجال المسلسلات، التي تحظى حالياً بمشاهدة 500 مليون شخص في 156 دولة.

وأوضح أن بلاده باتت في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في قطاع إنتاج المسلسلات.

عودة الخلافة العثمانية

لكن “دار الإفتاء المصرية” أصدرت بياناً، السبت (8 فبراير الجاري)، حمل تحذيراً من مشاهدة عملين تركيين أحدهما تاريخي؛ هما “قيامة أرطغرل” و”وادي الذئاب”، متهمة الرئيس التركي بالسعي من خلال هذين العملين لإحياء الخلافة العثمانية، رغم أن المسلسل الأول انتهى قبل عام، والثاني قبل نحو أربعة أعوام.

وقال المؤشر العالمي للفتوى، التابع لدار الإفتاء المصرية، في بيان: إن أردوغان “لم ولن يتوانى عن إحياء حلمه باستخدام كافة القوى، سياسياً أو دينياً أو حتى عبر القوى الناعمة عن طريق الأعمال الثقافية والفنية”.

وأضاف المؤشر أن الرئيس التركي “يرى أن العديد من الدول العربية هي إرث عثماني يرغب في استعادته”.

وتابع: “أردوغان وأتباعه لم يسلموا من توظيف الخطاب الديني بصفة عامة، والإفتائي على وجه الخصوص، ليكون غطاءً لعملياتهم العسكرية، شأنهم في ذلك شأن الجماعات والتنظيمات الإرهابية، مصدِّرين للشعوب والأمم أنهم حَمَلة لواء الخلافة، والمسؤولون عن نُصرة المسلمين في العالم وخلاصهم من الاضطهاد والظلم، والساعون لتطبيق الشريعة الإسلامية”.

المؤشر أشار إلى أن “قوى ناعمة” أخرى يستخدمها أردوغان في الخطاب الديني لكن في أوروبا، لا سيما ألمانيا، وهي 15 منظمة جمعية إسلامية مسجلة هناك تعمل تحت اتحاد إسلامي تركي.

وأضاف المؤشر أن معظم تلك الجمعيات بهدف “أسلمة المجتمع في ألمانيا عبر التربية الدينية في المدارس، والهيمنة على المساجد والمراكز الإسلامية”.

مسلسل أرطغرل

تدور أحداث المسلسل في القرن الـ13 الميلادي، ويعرض سيرة حياة “أرطغرل بن سليمان شاه” زعيم قبيلة قايي، وهو من أتراك الأوغوز المسلمين (التركمان)، ووالد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية (656هـ ـ 1258م/726هـ ـ 1326م).

حقق مسلسل “قيامة أرطغرل” نسب مشاهدة عالية على مدار السنوات الخمس السابقة، وبث في عشرات الدول، وشاهده الملايين حول العالم، وترجم إلى لغات عديدة، ولديه عشاق على نطاق واسع في العالم العربي.

والعام الماضي أمر رئيس وزراء باكستان، عمران خان، بإصدار جميع فصول المسلسل الخمسة باللغة الأردية، لغة البلد، حتى يتمكن المواطنون الباكستانيون من مشاهدة الإنتاج التركي بشكل أفضل.

وادي الذئاب

وادي الذئاب (بالتركية: kurtlar vadisi) هو مسلسل تركي تم عرضه على قنوات عربية مختلفة، في حين تناوبت على نقله في تركيا خمس قنوات مختلفة منذ بداية بثه في 2003.

لفت المسلسل الأنظار السياسية والاجتماعية على مدار سنوات، مع إضافة أربعة أفلام عن فلسطين والعراق وعن الانقلاب الذي وقع في تركيا في 2016، وفيلم وادي الذئاب غلاديو من بطولة إسكندر الكبير.

الشخصية الرئيسية في المسلسل هي شخصية مراد علمدار، الذي نال شهرة واسعة في العالم العربي بسبب المسلسل.

تميز التصوير للمسلسل بمعالجة العديد من القضايا السياسية والاقتصادية، منها الدولة العميقة في تركيا، وأيضاً هيئة الاختيارية التي تحاول المحافظة على تركيا من الدول الأخرى.

تطرق المسلسل إلى الأزمة السورية والعراقية في الجزء السابع والثامن والتاسع. وتطرق أيضاً إلى القوى العليا التي تقود العالم وتحاول السيطرة على تركيا لتدير العالم من خلالها.

المسلسل من نوع الأعمال الدرامية التي تتخللها مشاهد حركية، وأحداثها ترتكز على دوائر المخابرات والمافيات.

وأثر المسلسل بشكل كبير على فئة الشباب والمراهقين، وما زالت حلقاته في جميع أجزائه تحقق مشاهدات على اليوتيوب.

الغاية سياسية

مختصون يرون أن الهدف من توجه المؤسسة الدينية للتحذير من متابعة أعمال درامية تركية تحظى بقبول كبير ومشاهدة واسعة من قبل العرب سياسي، وأن النظام المصري يستخدم المؤسسة الدينية أداة لتنفيذ سياسته.

وهو ما ذهب إليه الكاتب و المحلل السياسي المصري ياسر عبد العزيز، الذي تحدث عن علاقات تاريخية تربط مصر بتركيا، لافتاً النظر إلى أن هذه العلاقات ليست فقط على المستوى الرسمي بل تصل إلى المستوى الشعبي بين البلدين، التي يصفها بأنها علاقة “عميقة ومتجذرة”، مبيناً في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن العائلات التركية ما زالت تعيش في مصر، والعكس أيضاً.

وشدد بالقول: “لا يستطيع النظام المصري أن ينقض هذه الروابط الإنسانية مهما حاول شيطنة المواقف السياسية”، مستطرداً: “مع ذلك لا ينفك النظام المصري في محاولاته المستميته لزرع مشاعر الكراهية في الشعب المصري تجاه الشعب التركي وقيادته، وفي ذلك يستخدم كل وسائله”.

وأضاف: إن “من تلك الوسائل استخدام المؤسسة الدينية؛ لما لها من تقدير في نفوس الشعب المصري المتدين بطبيعته”.

وأشار إلى أن النظام المصري لا يستخدم المؤسسة الدينية الإسلامية فقط في هذا التوجه، “بل يستعين بشكل أكبر بالكنيسة، الداعم الأكبر للنظام منذ الترتيب لانقلاب الثالث من يوليو (2013 ضد الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي)؛ وهو ما يكشف مدى سيطرة نظام السيسي على هذه المؤسسات لخدمة أهدافه السياسية”.

ولا يجد المحلل السياسي المصري مبرراً في تدخل دار الإفتاء والمجلس الأعلى للبحوث الإسلامية في مصر بأعمال “درامية أو أدبية”، لأن دورها ينحصر وفق قوله “فيما يخص العقيدة والشريعة”.

وأضاف في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “لكن المفارقة هنا أن العمل الذي نحن بصدده تاريخي، ما يعني أن يدها يجب أن تغل لصالح مؤسسات أكاديمية أو بحثية معتبرة في هذا المجال”.

واعتبر دخولهما على خط العمل الدرامي في مسلسل مثل الذي أعلنته دار الإفتاء المصرية “يدلل على هذا الاستخدام المبتذل من النظام لكل أدواته، حتى إن لم يكن في محل الاستخدام، وهو ما يشكل خصماً من هذه المؤسسة العريقة والمعتبرة في نفوس المصريين”، بحسب قوله.

ويجد عبد العزيز أن “الأمر هنا ليس عبثياً، بل هو مخطط بامتياز؛ وذلك بقراءة المشهد الكلي لسياسات النظام التي عملت منذ اللحظة الأولى على هدم كل الثوابت والقامات والمراجع الدينية والأخلاقية في المجتمع”، معرباً عن توقعه “التخطيط لهز مكانة هذه المؤسسة العريقة في نفوس المصريين والعرب والمسلمين أجمع من قبل النظام الحالي”. 

وتابع يقول: “لا شك أن القوة الناعمة التركية مؤثرة بشكل كبير في المجتمع المصري، وتعد المسلسلات إحدى تلك الأدوات التركية الناعمة للتواصل مع الشعوب الصديقة، لذا يمكن تفسير هذا الهجوم الغريب على المسلسل”.

واستدرك:”لكن دعنا أيضاً لا نستبعد العامل الاقتصادي من بيع تلك المسلسلات خلال الفترة السابقة، الذي يشكل أحد الروافد المهمة للاقتصاد التركي خلال السنوات الأخيرة”.

وختم حديثه قائلاً: إن “القراءة الحقيقية للمشهد تكمن في صراع الدولتين على قيادة المنطقة، أعني بالطبع الشرق الأوسط، وقد ظهر ذلك جلياً أخيراً في الوجود التركي في ليبيا، وإفساد مخططات النظام المصري والإمارات التي تحركه من خلف الستار؛ لذا فإن الموضوع أعمق من التحذير من مسلسلات أو أفلام”.

زر الذهاب إلى الأعلى