القرآن والسنة / الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي
لقد كلف الله رسوله عليه الصلاة والسلام برسالة إلهية يبلغها للناس، وهي منهج للحياة البشرية، وخارطة لطريق الإنسان فى الحياة الد نيا، جمعت بين التشريع والعظات والعبر والأخلاقيات، وأسلوب التعامل بين الناس على أساس من الرحمة والعدل والاحسان، وجعل التقوى هي الرقيب على تصرفات الإنسان، ومدى تفاعله مع المنهج أم ابتعد عنه وضل الطريق والقواعد التى حددها الخالق للإنسان أن يتبعها كما يلى حتى لايضل ولايشقى:
قال سبحانه (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ) (طه: 123)
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) (طه: 124)
قال سبحانه وتعالى(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ أن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: 77)
لقد من الله على رسوله بتكليفه برسالته للناس، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وجعله فى تكوينه وصاغ سلوكه وتعامله مع الأقربين من قومه وغيرهم من الشعوب المختلفة بأخلاقيات القرآن مطبقا فى كل علاقاته التعليمات الإلهية للقيم النبيلة والسامية التى تضمنتها آيات القرآن الكريم، التى تدعو للأخلاق الكريمة، ولذلك وصف الله سبحانه رسوله (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)(القلم: 4)، فأصبح الرسول (عليه الصلاة والسلام) قرآنا يمشي بين الناس، يحمل كتاب الله المبين، يعلمهم مافيه من حكمة ويعرفهم مقاصد الآيات لمايصلح الناس وينفعهم، فكان الحديث حديث الله وكلماته تأكيدا لقوله سبحانه (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: 23).
قال سبحانه وتعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (49)فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ(50) (المرسلات 49-50)
وقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 185)
(تِلْكَ آيَاتُ اللَّـهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّـهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية:6)
ولذلك أصبح الحديث حديث الله، وقوله والعمل والسلوك هي أخلاقيات الرسول (عليه الصلاة والسلام) فلا قول يتجاوز ماقاله الله سبحانه، وتلك الأخلاقيات هى سنته، والسنة عمل وليست أقوالا كما قال تعالى فى الأحداث التاريخية ما مرت به أقواما مضت من صراع وعذاب، فتلك أعمال وأفعال وليست أقوالا حين جاء أمر الله فعاقبهم، حيث يقول سبحانه(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)(الاحزاب:62)، إذا فالسنة أفعال وليست أقوالا.
ولذلك قال سبحانه وتعالى (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الاحزاب: 21)، فالأسوة هي القدوة ولَم تكن القدوة بالأقوال على الإطلاق، ولكن القدوة بالأعمال والأفعال والسلوك، ويريد الله للمؤمنين أن يقتفوا أثر الرسول (عليه الصلاة والسلام) ويسلكوا عمله وأسلوب عبادته ومعاملته مع الناس جميعا، بالرحمة والعدل والخلق الكريم والإحسان والتسامح والدفع بالتى هي أحسن ، وعشرات الصفات النبيلة التى كان يترجمها الرسول (عليه الصلاة والسلام) على أرض الواقع سلوكا وتعاملا، أما القول فقد قال الله فيه سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107). فتلك كانت هي سنته، وأفعاله وسلوكه ومعاملاته وعدله وإقامته للشعائر في عبادته لما يرضى الله، متبعا آياته متمسكا بكتابه تطبيقا لقوله سبحانه وتعالى (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ(44)) (الزخرف: 43-44)
ثم أردف سبحانه فى قول رسوله ينطق بكلماته فى حجة الوداع (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ) (المائدة: 3)، وقوله تعالى (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (الانعام: 115). وفى تلك اللحظة توقف الخطاب الإلهي بعد ما اكتملت الرسالة وسيظل القرآن كما أنزله حيا تتفاعل به القلوب والعقول، يضيء للمؤمنين الدروب حتى تقوم الساعة.
ولقد حذرنا الله سبحانه من اتباع الشيطا،ن ومايستهدفون به نور الله الذى يخرج المؤمنين من الظلمات، بقوله سبحانه (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (الصف:8)، تلك الأفواه الكريهة التى تحرض على قتل الأبرياء وتنشر الرياء وتنفث سموم الكراهية وتنشر الفتن ليعيدوا الناس إلى ظلمة القلوب ووحشة النفوس، ويتحولون إلى وحوش..
لذلك علينا أن نتبع تحذير الله منهم، فقد اغرقوا العقول بالروايات وتراكمت الحكايات حتى طغت على الآيات، وتبارت افواه الشياطين، كل يروي مايمليه عليه الاشرار الذين (اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(التوبة:9)،حين فرقوا المسلمين إلى فرق وطوائف يقتلون بعضهم بعضا، والذين قال فيهم الله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) (الأنعام: 159)،
فلماذا لانتبع رسول الله، وهو يدعونا لكي يحبنا الله، وهويقول عن ربه سبحانه (قُلْ أن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (ال عمران: 31)، واتباع الرسول (عليه الصلاة والسلام) فيما أنزل عليه من آيات بينات تضمنت التشريعات والعظات والأخلاقيات والعبر لمن سبقنا من الأمم البائدة مؤكدا لقوله سبحانه (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ) (الأعراف: 3)، وقول الله سبحانه وتعالى (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية: 6)، ثم بعد ذلك يوم يأتى الحساب يضع الله ميزان العدالة على القاعدة الإلهية (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (8) (الزلزلة:7-8).