عزاءات الشعر والمواجهة مع الذات.. أدباء عرب يكتبون عذاباتهم من الحجر المنزلي
الموريتاني : بينما يستمر العالم في مواجهة وباء كورونا، الذي يجتاح بلدانا كثيرة مقتربا من تسجيل مليون حالة إصابة ووفاة حتى الآن، لم يجد الأدباء والكتاب العرب بُدًّا من البقاء في منازلهم، لكنهم ينفذون من الحجر المنزلي بمنشوراتهم وقصائدهم وتدوينات يومياتهم، عندما يواجهون كابوسا مرعبا بالكلمات. ولا سلاح لهم سوى الكتابة.
قصائد وقصصا وعذابات ومفارقات، تخطّت الحجر المنزلي إلى الفضاء التفاعلي.
كُرسيّ من الإسمنت
بسبب الحجر المنزلي، تضاعفت حالة القلق لدى الشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار، مما دفعه لتشبيه القلق بـ”كرسيّ من الإسمنت”، بينما يجلس لأيام يعد الساعات في البيت، كما لو أنه في شارع مهجور لا نديم فيه سوى الصمت.
أجلسُ الآن قُبالةَ صفّ طويلٍ
من السّاعاتِ المُستعادة.
الصمّتُ نَديمي
والقلقُ كرسيّ من الإسمنت
في شارعٍ مهجور.
قُم أيها البطل
الشاعر العراقي والباحث في علم الأديان خزعل الماجدي نشر صورة لأحد الأطباء ممن يواجهون كورونا في الميدان، يأخذ استراحة قصيرة في ممر بمستشفى محنيا رأسه من التعب والإرهاق، وكتب معلقا: الآن وقد مضى الجميع إلى بيوتهم.. أغلقت المساجد والكنائس والمعابد أبوابها.. وهرب السحرة بأبخرتهم.. وهرب المعوّذون بطاساتهم، ولم تعد هناك خطب جمعةٍ ولا فتاوى.. وضع الشاعر رأسه في دخان سيجارته.. وانزوى الفنان في مرسمه.. وحسب الصيرفي أرباحه وخساراته.. وأغلق السياسي مكتب لصوصيته وكذبه.. بقيت وحدكّ يا صاحبي.. أيها الطبيب والممرض والمسعف، لا تخفض رأسك هكذا أيها العظيم”.
رحلة في شوارع خالية
من منعزله في الحجر المنزلي، يواصل الشاعر والمترجم العراقي المقيم بلندن عبد الكريم كاصد تدوين كتابات ونصوص من بينها نص بعنوان “رحلة اضطرارية في شوارع خالية”:
رحلة اضطرارية في شوارع خالية:
هذا الصباح
جذبتني الشمسُ إلى الشارع
تركتني وحدي …
من اليمن إلى ايطاليا
الشاعر اليمني المقيم بالمغرب أحمد الفلاحي يكتب عن بلده اليمن، تحت وطأة حرب دخلت عامها السادس، ويقول “لقد تأخرت كثيرا أيها الفيروس/ دعنا نكون أصدقاء وننخر الحرب/ ومعها نلعق أطراف الموت/ دعنا نمر في الفيافي وعلى طريق البخور/ نهدهد المهد/ ونستل الروابي/ ثم نؤوي إلى بلاد لا تخاف العطس/ تخاف فقط من لهيب الجوع”. وهنا تعبير عن حالة الجوع والمرض والبؤس التي يعيشها اليمنيون منذ سنوات.
بروح شاعر كونيّ، يكتب أحمد الفلاحي، في سياق نص آخر له نشره على فيسبوك، بعنوان “إيطاليا.. تضامني القلبي معك”: أسافر كالآخرين لكني أحملك معي/ الليلة التي قضيتها في (أكي تيرمي)/ ظلك على الساعةِ الكبيرة في الجوار/ وأطيافك تترامى على الكنيسة/ المقابلة لنافذتي/ أُمازح نومي قليلاً بأنفاسك/ وأخبر أشجار الزينة بمدى توجسي من سهرك الليلي/ في الصباح أتركُ الناقوس يرددها ثلاثاً:/ أشتاقك../ ونرحل باتجاه الشمال/ تلك المدينة التي تحبها تماما كما سأفعل/ ولأني أعرف شغفك بالفن/ أذهب مباشرة إلى (ساحة مايكل أنجلو)/ أُريك المدينة كما لو أنك معي/ نرسمُ تلك القُبلات الضاحكة كلما التقطنا (سيلفي) معًا”.
مواجهة مع الذات
يكتب الشاعر المغربي صالح لبريني حزمة منشورات على فيسبوك، يدون فيها الكثير مما لم يكن في حسبانه أنه سيكتبه قبل مجيء كورونا. يذهب لبريني إلى القول إن أمورا شتى ستتغيّر في الكائن البشري، بعد العودة إلى الذات التي كان بعيدا عنها بعِلّة الحياة المعاصرة، عندما هيمنت على حياة الناس الاهتمام بالكماليات، وبالتالي “ذيوع ثقافة وقيم الضحالة”. كما يحذر لبريني من أن “كوفيد-19 سيكون بمثابة الصعقة الكهربائية التي تربك كل الحسابات لدى الدول العظمى على وجه الخصوص”.
وختم لبريني قائلا: وباء كورونا يقدم درسا عظيما