أزمة الإخطبوط ثمرة تلاعب مرير من طرف المصانع والبنوك

يواجه قطاع الصيد أزمة خانقة تعتصره منذ عدة سنوات تتعاملت معها الدولة للأسف الشديد بتهاون كبير نتيجة للإرتجالية وانعدام الرؤية والإستراتيجية ورضوخه للأوامر والمزاج الذي مورس عليه طيلة العشرية الماضية، ومع أن الأزمة تزداد خطورة وتعقيدا لتصبح أعمق وأخطر من أزمات الجفاف التي توليها الدولة إهتماما متزايدا بما يمثله قطاع الصيد من أهمية كإحدى الرجلين التي يقف عليها الإقتصاد الوطني من حيث المردودية الإقتصادية سواء تعلق الأمر بالتشغيل أو المدخول من العملة الصعبة أو بالمردودية الإجتماعية بالنسبة للوظائف المرتبطة به أو بالنسبة للنشاط التجاري والمالي من حيث حجم السيولة والتداول وتشغيل قطاعات أخرى عديدة ضمن القطاع غير المصنف، وحيث تعيش عليه ولاية داخلة نواذيبو، وتتركز هذه الأزمة بصفة خاصة على صيد الإخطبوط الذي هو تراثا وطنيا يحظى بقيمة معنوية كبيرة ،وبوصفه المورد الرئيسي للعملة الصعبة بالنسبة البلد، وللأرباح الكبير ة وللعمالة ،وبما هو الركيزة الأساسية للإستراتيجية الوطنية لقطاع الصيد، وقد صار يواجه مشكلة عميقة تحولت إلى أزمة مزمنة بفعل التراكم مع انعدام وجود حلول جوهرية تستهدف رسم سياسية واضحة لإنتاج وبيع هذه المادةوبصفة أساسية حماية البحارة التقليديين الذين يمثلون شرايين هذا القطاع ،وتعود أغلب تلك المشاكل والأزمات إلى أن التطورات الكبيرة التي حدثت في القطاع بالنسبة لعدد المقبوصات ولتعدد الفاعلين وتطور البنية التحتية ظلت في مصلحة الوسطاء والموردين ولم تكن في مصلحة تنمية القطاع وخلق توازن مستمر داخله يحمي الأهداف الأساسية والأدوات أو الحلقات الأولى في الإنتاج، بل كان تمدده ذلك بطحن تلك القوى والحلقات وابتلاعها، مما ينذر بتمدد وتجذر هذا الأزمة في حالة ما بقيت الأمور على حالها. والغريب أن هذا التطور الذي حصل في القطاع لم يرافقه تغير في دور شركة التسويق التي ظلت جامدة عند نفس الصلاحيات التي أنشئت لأجلها منذ1983 وهي الرقابة على عملية بيع المنتوج التي تطورت عن حالتها الأولى مرات عدة أصبحت تخضع لسلسلة من المراحل يسيرها متدخلين في القطاع يخدمون مصالحهم المتعارضة ولا تمت بأي صلة لمصلحة البلد ،بينما لم تتزحزح الشركة من موقعها لتستمر في المحافظة ليس فقط على الجباية لكن على حماية السوق والأسعار والبحارة والمستثمرين الصغار الذين يمثلون كلهم أدوات الحلقة الأولى للإنتاج، وللحفاظ على الإستراتيجية الوطنية للقطاع .
الوضعية الحالية للأخطبوط تتطلب تغيرات جوهرية في مستوى تدخل الفاعلين في القطاع خاصة بالنسبة للدولة المسؤولة عن تسوية الإختلالات والحفاظ على التوازنات التي تخدم تنمية القطاع والبنك المركزي المستفيد العملة الصعبة و شركة التسويق المسؤولة عن عملية البيع ،بأن يضمنا إستقرار الأسعار من خلال لعب دور الشريك وليس دور المتفرج ،فعلى البنك المركزي إقراض شركة التسويق التي يجب أن تضع سياسية جديدة لتدخلها في القطاع لحماية الصيادين الصغار من عملية التحايل على منتوجهم من طرف المصانع الذين يغلقون في وجهم المصانع كل يوم بعد السادسة ويرفضون إستقبال منتوجهم بحجة عدم وجود مكان له في المبردات يعرضون عليهم في المقابل سعرا أضعف من السعر العادي حيث يصبح صاحب المنتوج فريسة ضعيفة ومكشوفة للمشتري ،في حين لا توفر له الدولة أي حماية ولايحظى بدعم من الفاعلين الكبار المستفدين من هذا القطاع والذين يطبقون سياسية الدولة .انعدام رؤية بحجم هذا المشكل هو من أكبر معوقات الحل الجذري لها .
وهكذا سيقع الحجر الكبير على رأس الدولة.
شركة التسويق قادرة على الإستثمار في مصانع للتبريد لحماية الباعة الصغار وصيادي الصيد التقليدي . الأزمة المستفحلة منذ بعض الوقت تشكل خطرا متزايدا على اقتصاد البلد وعلى رفع نسبة البطالة وخسارة الإستثمارات والمبادرات الفردية التي تشكل دعامة كبيرة لهذا القطاع 14 ألف عامل في هذا( الشط)وحده،8آلاف زورق وحركة واسعة للأموال. 
لقد وصل سعر الإخطبوط اليوم 1150 أوقية قديمة للكلغ وهي سعر مدمّر للثروة وللنشاط الإقتصادي بسبب ضعف المردودية ، بل وبسبب الخسارة التي نستنتج عن هذا التدني القاتل القطاع والدولة لا تقدر الأمر حق قدره وبدلا من تعيين لجنة وزارية واسعة وتدخل الخبراء تحيل الموضوع إلى السلطات المحلية في نواذيبو التي يتجاوزها حجم المشكلة ،رقم الأعمال وحجم الخسارة وطول فترة الأزمة والتداعيات الكبيرة لها ،في محاولة يائسة لتصحيح الوضعية ،ورغم حسن الظن الذي يمنحه لها الكل فإن وسائلها لا تمكنها من تصور حلول مهمة باستثناء توفير مسكنات ضعيفة لا تلبث أن يتلاشى تأثيرها أمام أي تأخر في بيع المنتوج ،وهذا النوع من الحلول هو الذي ساهم في استمرار الأزمة .فهل ستواصل الدولة سياسة الحلول التلفيقية التي دمرت القطاع ، أو أنها ستضع يدها على الجرح وتتدخل للقيام بحل جذري للمشكلة أو سسترك المنتجين بين فكي البنوك والمستوردين الكبار الذين يختفون وراء المصانع ويوجهون الأسعار بالتوطؤ ضد الباعة الصغار الذين هم الحلقة الضعيفة في السلسلة .
إلب ولد بكار فاعل في قطاع الصيد

زر الذهاب إلى الأعلى