العلاقات الموريتانية الإماراتية.. ماض حافل ومستقبل واعد .. / سيدي محمد ولد الطالب أعمر، رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية
تقوم العلاقات الإنسانية على أساس متأصل في الوجود من حاجة البشر إلى بعضه، وهي حاجة لا تحتاج كثيراً من الشرح، لكون تجلياتها ماثلة في كل المناحي والتفاصيل المرتبطة بحياة البشر، ولكن تنتظم هذه العلاقات، تقارباً أو تنافراً، وفق أسس من الخصائص المشتركة أو المتفاوتة، تحدد مدى التفاهمات التاريخية والثقافية والفكرية والاقتصادية والاستراتيجية… بين شعوب الأرض عامة.
وهكذا قامت العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية ودولة الإمارات العربية المتحدة من أول يوم على قاعدتين صلبتين، أولاهما: تطوير العلاقات الثنائية بين شعبين متماثلين في الطباع والقيم، وتوحد بينهما أواصر الدين واللغة والهوية الحضارية، ويتقاسمان المصير، أما القاعدة الثانية فهي: تنسيق المواقف لصالح البلدين، وفق متطلبات حماية وخدمة القضايا العربية والإسلامية.
تعود العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي، حيث استقبل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، المغفور له حمدي ولد مكناس، وزير خارجية موريتانيا حينها في السابع من شهر أغسطس سنة 1973، وهو اللقاء الذي مهد للزيارة الرسمية التي قام بها أبو الدولة الموريتانية الحديثة المختار ولد داداه، رحمه الله تعالى، لدولة الإمارات في الثامن والعشرين من شهر أبريل سنة 1974، وهي الزيارة التي رد عليها المرحوم زايد الخير بزيارة رسمية لموريتانيا في الثالث عشر من شهر أغسطس سنة 1974، وقد كان لهذه الزيارة عميق الأثر في وضع الأسس القوية للعلاقات بين البلدين وشعبيهما الشقيقين، وهي علاقة فهمها الأبناء والأحفاد، وجسدتها القيادات المتبصرة من الدولتين، فعلى مدى نصف قرن ظلت العلاقات بين البلدين وشعبيهما تتعزز وتتطور على مختلف الصعد، حتى صارت نموذجاً رائداً للعلاقات الثنائية المثالية والثابتة بين الدول العربية.
لقد أدرك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان باكراً التميز الموريتاني في مجال العلوم الشرعية واللغوية، فقرر الإسهام في إحياء ومؤازرة رسالة الشناقطة في المشرق، فقام بتولية العلماء والقضاة الموريتانيين في المناصب الشرعية العليا في دولة الإمارات، حيث شكلوا جسراً ثقافياً وفكرياً بين بلادنا، وهذا الحيز المبارك من وطننا العربي الكبير.
وقد تطور التعاون بين الدولتين في كافة المجالات، فشمل البعثات الشرطية، والتعليمية، وما رافق ذلك من تعاون مثمر وبناء، من تمويل سخي للعديد من مشاريع التنمية، إلى العمل الخيري والإنساني، وتبادل الخبرات والتنسيق والتدريب.
وقد كان لزيارة فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني لدولة الإمارات الشقيقة في فبراير الماضي عميق الدلالة على متانة العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، إذ هي أول زيارة لفخامته إلى بلد عربي منذ انتخابه رئيساً للجمهورية الإسلامية الموريتانية، حيث التقى وبكل حفاوة بكل من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وقد أكدت نتائج تلك الزيارة ما كان معروفاً وثابتاً من مواقف دولة الإمارات تجاه موريتانيا، إذ أثمرت هذه الزيارة الكثير من الخير للبلدين والشعبين الشقيقين، بما شهدته من توقيع اتفاقيات، ومذكرات تفاهم استهدفت تعزيز التعاون وتنويع آفاقه بين البلدين، والإعفاء المتبادل من التأشيرات على الجوازات الدبلوماسية وجوازات العمل، والتعاون في المجالات التعليمية، والعسكرية، والفنية، والأمنية، والتنموية، والاستثمارية، إضافة إلى المجالات الإنسانية والرعاية الاجتماعية، وتوجت بتخصيص ملياري دولار لإقامة مشاريع استثمارية وتنموية وقروض ميسرة لموريتانيا، ما شكل دعماً قوياً للاقتصاد الموريتاني في لحظة صعبة، وظرفية خاصة، جعلت العديد من المراقبين يرى أن العلاقات الموريتانية الإماراتية تعكس المثال الحي والنموذج الأفضل للتكامل والتآخي بين الأشقاء، من خلال تعدد مجالات التعاون وأهمية ملفات التنسيق المشترك.
وتقوم العلاقات الموريتانية – الإماراتية على الاحترام المتبادل والتعاون، وتطابق الرؤى والمواقف من مجمل القضايا العربية، والإقليمية، والدولية، لدى القيادتين الحكيمتين، حيث تقف موريتانيا دوماً إلى جانب دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة كل ما يمكن أن يهدد أمنها واستقرارها، كما نعتقد جازمين أن دولة الإمارات بقيادتها الحكيمة، وتاريخها الناصع، مؤتمنة على القرارات التي تتخذها خدمة للقضايا العربية والإسلامية، لما تمتلك من حسن تقدير وتدبير لحماية مصالحها ومصالح أشقائها، وقناعتنا راسخة بأن دولة الإمارات من أكثر الأشقاء حرصاً على استعادة الفلسطينيين حقوقهم غير منقوصة، من خلال استقلال دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية.
ولعل الجميع يدرك ما نعقد من أمل على العلاقات المميزة بين الدولتين، وما نبذل جميعاً من جهد من أجل تطوير هذه العلاقات لتشمل مجالات أوسع خدمة للبلدين الشقيقين، في زمن أصبحت فيه التحديات التنموية والأمنية تفرض علينا تعزيز التعاون والاستفادة من مزايا كل بلد، وإن موريتانيا بحكم موقعها الفريد وثرواتها الاستراتيجية، وما تحوزه من مجالات استثمار واعدة في مجالات الطاقة، والصناعات الاستخراجية، والنقل، والزراعة، والسياحة… تعتبر إحدى الوجهات المفضلة للاستثمارات العربية والأجنبية، لاسيما مع الجهد المبذول في مجال تحسين بيئة الاستثمار وتوفير مناخ الأعمال عبر تعزيز الشفافية وتسهيل الإجراءات، وهو المناخ الذي يحرص فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني على تعزيزه وصيانته.
وإن موريتانيا التي تقع ضمن فضاء الساحل، الذي يشهد تحديات أمنية حادة بفعل الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتهريب، ويعاني الهشاشة الاقتصادية وضغوط التصحر والجفاف، بحاجة إلى التعاون المستمر مع الأشقاء والأصدقاء، وفي مقدمتهم دولة الإمارات، لضمان استمرار النجاحات الأمنية التي حققتها بلادنا بفضل المقاربة الشاملة التي انتهجتها، وحققت بسببها نتائج مهمة.
كما أننا في موريتانيا نثمن عالياً التعاون العسكري والأمني بين البلدين، وتطابق رؤيتيهما لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة الذي تجسد في مجالات مختلفة، أهمها إنشاء كلية عسكرية في موريتانيا بتمويل من الإمارات، أطلق عليها اسم «كلية محمد بن زايد للدفاع»، التي تعتبر أول كلية من نوعها في موريتانيا، وقد أصبحت إطاراً لتكوين الضباط العسكريين في مجموعة دول الساحل الخمس.
لقد دخلت العلاقات الموريتانية – الإماراتية في ظل القيادة الحالية للبلدين طوراً جديداً لا تمكن مقارنته إلا ببواكير تلك العلاقة التي نسجها الساسة الأول، رحمهم الله تعالى، وإننا على يقين أن آفاقاً واعدة ومبشرة تنتظر هذه العلاقات الاستثنائية، ستكون رافعة لتعزيز وتوطيد هذا الإرث الزاخر بالثقة والاحتضان المتبادل لنحمي بلدينا ومنطقتنا من مخاطر متغيرات الساحة الدولية، وانعكاسات الصراع على المصالح والنفوذ الذي تغلي به المعمورة. حفظ الله بلدينا، وقيادتينا.
نقلا عن صحيفة “الاتحاد” الإماراتية