“السُّـنة” كما أُنزِلَت وليس كما رُوِيّت .. حي معاوية
لم يترك التراث الإسلامي النقلي طريقا يؤدي للقرآن إلا وزرع فيه الأشواك ، وملأه بالحفر ، وأغرقه بوحل النصوص الآسنة ، في محاولة لم تتوقف حتى اليوم لطمس معالم الإسلام الحقيقي وتشويه صورة رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام . وهذه لعمري هي أخطر هجمة معادية تعرض لها هذا الدين عبر تاريخه ، لأنها جاءت من الداخل متدثرة برداء الاسلام وحاملة لشعاره ، فتغلغلت في جسده ، واستفحلت من غير ان ينتبه أحد إلى خطورتها على العقيدة وعلى السنة النبوية التي جاء بها القرآن صافية نقية ، سنة منزلة من السماء تقدم نبينا العظيم قدوة ونموذجا يُحتذى للبشرية في كل العصور ، فهو ، بحسب الآيات الشريفة : بشير ، نذير ، رؤوف ، رحيم ، لين القلب ، متسامح ، يعفو عمن أساء إليه ، ويستغفر الله لمن عاداه ، يدعو الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، يأمر بالفضائل وأعمال الخير والبر والإحسان والكرم والتواضع والمساواة والعدل ، ويطبق ذلك كله في سلوكه وفي حياته اليومية ، ولهذا وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه على خلق عظيم وأنه رحمة للعالمين .
لكن التراثيون أبوا إلا أن يقلبوا هذه الصورة رأس على عقب ، حيث جمعوا كل ما مرّ على مسامعهم من روايات وقصص وأحاديث وفتاوي ، حتى ولو كانت تتعارض في جوهرها ومضمونها مع القرآن العظيم ، فذلك في نظرهم لا يهم ، المهم أن فلانا نقلها عن فلان عن فلان عن فلان ،، والقائمة تطول ،، والخلل البيّن في عمل هؤلاء هو تقديسهم للسند وعصمتهم للرواة ، بينما ضربوا عرض الحائط بالمتن وكأن الدين بالنسبة لهم مجرد أسماء ، فراكموا مع الوقت منقولات عرجاء تقف على ساق واحدة ، أنتجت “سنة” مروية يظهر فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم بصفات لا تليق بجنابه الشريف ، فهو في نظر هذه المرويات : الضحوك القتال ، وهو السباب اللعان ، حاشاه ، وهو المعتدي الظالم الذي لا رحمة فيه قلبه ، ينتقم ويقتل لأتفه الأسباب كما في قصة المرأة عصماء بنت مروان التي ذكروا في مروياتهم أن النبي سمع انها تهجوه ببعض الكلام ، فقال: من لي بها ، فقال رجل من قومها: أنا يارسول الله، فنهض فقتلها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا ينتطح فيها عنزانّ!.
كما رووا في أكثر من مورد معتبر أنه كان منفرا للمخالفين في الدين كارها لهم يحرمهم من كل حق وحسن معاملة حتى انه أمر بالتخلي عن ادبيات الطريق لأجل الإساءة اليهم ، وهذا ما جاء في حديث هذا نصه ” لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق، فاضطروه إلى أضيقه”..!
فهل يستقيم هذا مع قول الله سبحانه وتعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ..) ومع قوله تعالى (لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) . وقوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). وقوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ فسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ).
فهل أنزل الله هذه الآيات الصريحة الواضحة البينة ليتم تعطيلها وتركها على الهامش ؟ ! . وهل من المنطقي أن يتم هجر السنة المسطرة في القرآن المتميزة بصحتها ودقتها ومبادئها العظيمة ، من أجل نصوص اعتمدت لقرون طويلة على ذاكرة البشر وحوت من السلبيات ما لا يصح نسبته الى انسان سوي فما بالك بنبي ورسول عظيم ؟ !
لذلك فالسنة النبوية الصحيحة هي منهج الرسول الذي أخبرنا عنه القرآن الكريم ،حصرا ، اما المرويات فإن حشرها في هذا السياق فيه تجني على الرسول وهجران لكتاب الله وإظهار الإسلام بمظهر الدين المتناقض الذي يأمر بالصالح والطالح معا .