ندوة في انواكشوط حول اطروحات التجديد والتنوير في كتاب “ومضات على الطريق” للمفكر على محمدالشرفاء الحمادي
شهد فندق موريسانتر وسط العاصمة الموريتانية انواكشوط هذا المساء حدثا ثقافيا استثنائيا كسر ركود الساحة الفكرية والثقافية الموريتانية بعد شهور طويلة خيمت فيها ازمة كورونا على الأجواء ، الحدث تمثل في ندوة بعنوان ” تأملات في كتاب ومضات على الطريق” الجزء الثالث : المسلمون بين الآيات والروايات للمفكر الإسلامي العالمي “علي محمد الشرفاء”.
وقد نظمت الندوة بالتعاون بين مؤسسة رسالة السلام العالمية للدراسات والبحوث الاسلامية من جهة ومؤسسة الموريتاني للنشر والتوزيع ومركز تسامح لنشر فكر التعايش والسلام من جهة أخرى ، وقد انعشتها كوكبة من المثقفين والمفكرين تناولوا في مقارباتهم التحليلية أبرز القضايا التي عالجها المفكر علي محمد الشرفاء في هذا الجزء الصادر حديثا من كتابه المشهور “ومضات على الطريق “. وهو كتاب اصبح من أهم المراجع التي تقدم للقارئ العربي خطابا تنويريا يفكك بنية الخطاب الإسلامي التقليدي ويكشف مدى انحرافه وتعارضه الصريح والضمني مع الخطاب الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
الندوة التي حضرها لفيف من الإعلاميين والجمهور المتعطش لمؤلفات المفكر علي محمد الشرفاء ، بدأت بآيات بينات من الذكر الحكيم ، تلاها خطاب افتتاح لمسؤول حكومي رسمي هو السيد “مدو عبد الرحمن” مدير الكتاب والمطالعة العمومية في وزارة الثقافة الموريتانية نيابتًا عن وزير الثقافة، وقد أشاد في كلمته بأهمية الكتاب موضوع النقاش في تنقية الإسلام من الشوائب والتأكيد على قيمه الإنسانية السمحاء ودوره إشاعتها بين الناس.
بعد ذلك تناول الكلام الأستاذ حي معاوية ممثل مؤسسة السلام العالمية الذي رحب في مستهل حديثه بالحضور ، مؤكدا على أن هذه الندوة هي بداية حراك ثقافي وفكري يستنير بإصدارات وتآليف المفكر علي الشرفاء ويعتمدها مادة للبحث والنقاش ، مشيرا إلى أهمية تلك المؤلفات في الإجابة على الأسئلة الكبرى التي تواجه العالم الإسلامي في زمن التحديات ، كما أنها تشكل منطلقا يمكن الاعتماد عليه في توحيد كلمة المسلمين ولمّ شملهم وردم هوة الخلاف بينهم ، في عملية تصحيح مضادة لما أحدثته المرويات من تفرقة وتناحر وتنافر بين أمة التوحيد المجمعة في الأصل على إله واحد ونبي واحد وكتاب واحد.
من جانبه تطرق الأستاذ “أحمد الحافظ” رئيس مركز “تسامح” في مداخلته إلى ما تضمنه الكتاب موضوع الندوة من قضايا شكلت في نظره محاولة جدية لتقديم الإسلام على صورته النقية الصافية ، موضحا أن المفكر علي محمد الشرفاء نجح في تشخيص أزمة الخطاب الاسلامي المعتمد على المرويات من خلال مقاربة كشفت مدى هشاشة اسانيد هذا الخطاب ومدى تعارضه مع المنطق وتناقضه مع الواقع ، ومن جانب آخر قدمت البديل الذي غُيّب بدوافع داخلية انتجها الصراع بين المذاهب والطوائف ، ودوافع خارجية يقف خلفها أعداء الإسلام والمتربصون للانتقام منه .
وبيّن الأستاذ أحمد الحافظ أن الجزء الثالث من كتاب ومضات على الطريق (المسلمون بين الآيات والمرويات) اشتمل على خمس محاور ضمن سياق معالجة مؤلفه المفكر علي محمد الشرفاء للمعضلة التي آلت اليها الأمة الإسلامية بعدما هجرت القرآن العظيم واستبدلته بتراث مروي عرضة للخطأ والتحريف والنقص ، والمحاور الخمسة هي : دعوة للرجوع الى الله (مقدمة) ، تصويب الخطاب الإسلامي ، القرآن هدى للناس ، التكليف الإلهي للرسول ، القرآن بين التنزيل والتضليل.
ومن ضمن المتدخلين أيضا الوزيرة السابقة مكفولة آكاط ، التي عبرت في كلمتها عن سعادتها بحضور الندوة ، مشيدة بجهود المفكر علي الشرفاء وسعيه الحثيث لتقديم صورة صحيحة عن الإسلام تزيح عنه ما الصق به من تهم كالإرهاب والتطرف وكراهية الآخر ، مشيرة الى أنه من الضروري التفريق بين رسالة الإسلام الطافحة بالمحبة والتسامح وبين تصرفات من ينتسبون الى هذا الدين العظيم ويرفعون شعاره ثم يُقْدمون على أفعال تشوه مضامينه وقيّمه الإنسانية النبيلة وتضعه في صدام وخصام ابدي مع بقية العالم كما اشارت الي ان رسالة المفكر علي محمد للرئيس الفرنسي توضح مما لا يضع مجالا للشك انه لا من الفرق بين رسالة الإسلام ومن ينتمون الي الإسلام .
بدورها شكلت مداخلة الباحث التونسي الدكتور (شكري …. ) عنصرا أساسيا من عناصر إثراء الندوة ، حيث تطرق فيها لمحطات رئيسية في تاريخ الإسلام بدءا من الخلافة الإسلامية وحتى العصر الراهن ، مبرزا كيف أدت الظروف والمتغيرات في كل مرحلة الى حرف الرسالة المحمدية عن أهدافها ومبادئها المرسومة في القرآن كما تركها رسولنا الكريم كاملة مكتملة دون أي زيادة أو نص ، وكيف تغولت الاجتهادات والآراء والتفاسير على صريح الآيات التي تخاطب العقل وتضع منهجا قويما لسلوك الفرد ونظاما محكما للمجتمع يتجاوز الزمان والمكان.
وأكد الدكتور شكري على أن المفكر علي محمد الشرفاء سلط الضوء على مكامن الخلل في الخطاب الإسلامي المؤسس على الاجتهادات ، وأهم خلل تناوله في كتابه ” ومضات على الطريق ” هو أن التراثيون هجروا المصدر والنص الأصلي الذي هو القرآن ، وغيبوا آيات مبدئية تبرز عظمة الإسلام ومدى تسامحه واحترامه للحريات ، مثل قوله تعالى ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وقوله تعالى (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) .
وأشار الدكتور شكري إلى أن المسلمون في الوقت الراهن ، وكنتيجة طبيعية لتقديس المنتوج التاريخي للسلف ، باتوا يعيشون أزمة كبيرة وعليهم ان يجدوا الحلول الجذرية لها حتى لا يظلوا اسرى لتراث مليء بالتناقضات والاحداث الدامية والصراعات المهلكة ، وشدد الدكتور شكري على ان منهج المفكر علي محمد الشرفاء يقدم وصفة لحل الأزمة والإشكالية الراهنة في العالم الإسلامي ، ومن الأهمية بمكان تعميق الحوار والنقاش حول أطروحاته الفكرية وتوالت المداخلات .
واختتمت مداخلات الندوة بمداخلة الدكتور محمد ولد الرباني الذي خلص إلى أن مؤلفات المفكر الإسلامي علي محمد الشرفاء تتنزل بين الغرب المتعالي المستفز وبين متطرفين يمارسون الإرهاب والقتل والعنف باسم الاسلام ، وأستطرد الدكتور الرباني موضحا أن رسالة الإسلام عند المفكر علي الشرفاء ترتكز على أربعة محاور رئيسية هي : الرحمة والعدل والحرية والسلام ، وهذه المبادئ لا تدع مجالا للشك في أن الإسلام دين حضاري منفتح ، وليس دينا منغلقا على نفسه ، ولكن يجب ان يفهم على حقيقته ليحترمه العالم ويقدره ويضعه في المكانة التي يستحقها .
وفي نهاية الندوة تم توزيع نسخ من الكتاب على الحضور بالإضافة لنسخ من رسالة المفكر علي محمد الشرفاء للرئيس الفرنسي “ايمانويل ماكرون” التي عنوانها بقوله ” لا بد من التفريق بين رسالة الإسلام وبين من ينتمون لدين الإسلام”.