نواكشوط ” بين الماضي والحاضر/ خولة الحبيب

بعد الثامن و العشرين من سنة  1960 تأسست الدولة وولدت العاصمة ،  تسارعت بعد ذلك وتيرة النزوح  إلى العاصمة ..
جاءت شتى القبائل ومكونات المجتمع  من مختلف أرجاء بلادنا المترامية الأطراف، من الوسط والشمال والجنوب (بيظان _ احراطين _ أكور ) ميممين شطر  ما يسمى بانواكشوط .. 
ليمزجوا تقاليدهم وثقافتم، مشكليين بذلك لوحة ثقافية  ميزت شعبنا عن جيرانه .

وتجسد الكل فجأة دولة،  وشعب،  وطن ،وعاصمة يبرزون في طياتهم الأمل والتنوع.
هو إذن  نفس المكان الذي أعلن فيه الرئيس الراحل المؤسس المختار ولد داداه في  5 مارس /آذار سنة  1958م عن ميلاد مدينة جديدة ستكون عاصمة فتية على  موضع قديم،  قدم العصر الحجري  منذ أكثر من ستة آلاف سنة .

المكان الذي  تتلاطم فيه أمواج المحيط، وتتطاول فيه بحور الرمال في سماء لا نهاية  له.
تبدو نواكشوط مدينة الرمال بشوارعها  المحاطة بالأشجار مشكلة واحة كبيرة في قلب الصحراء.

كانت نواكشوط (كعاصمة) منذ نشأتها واعية بالدور الأساسي المنوط بها، تتجذر وتزهو من بهاء  ساكنتها المختلفة .
تشق طريقها بين عواصم الجوار بانتصار ملهم على قساوة الظروف الطبيعية، بجهود أبناء الوطن البررة ،والعمل الدؤوب على توطيد مكاسب انتصار العقل على المادة، والعزيمة  على الخمول 
والأمل على اليأس .

هكذا  أنشأت الخيام أفكارا تجسدت بالفعل في تشيد المباني التي بدأت تبرز شيئا فشيئا ، بنيت المدارس،  وانسجت الشوارع، وأرسيت الموانئ على الشواطئ، وحددت ملامح وطن، وولدت عاصمة كانت حلم كل الشعب  .

حقيقة  رغم تدهور أوضاع المدينة في وقتنا الراهن لا يمكننا أن نغفل عن كونها كانت في يوم من الأيام الإنجاز الأعظم في تاريخنا المعاصر . كونها امتياز هائل تَمثل في تحويل  الصحراء إلى مدينة كبرى في وقت وجيز .

لكن هذه المدينة التي مثلت في يوم من الأيام بحقٍ العصا السحرية لآمال كل المواطنين، هي اليوم تعاني من مشاكل لا حصر لها، فرغم الخطط التي وضعتها السلطات لتحقيق تهيئة عمرانية منسجمة مع تطور العاصمة، إلا أن الكثافة السكانية المرتفعة والتوسع العمراني تسبب في إفشال خطط تحديث العاصمة، والحد من مظاهر الفوضى العمرانية.  مما انعكس بالسلب على المدينة والساكنة .

تتسبب الفوضى العمرانية في مشكلات مرورية خانقة، ونقص في التجهيزات، مما يؤثر سلباً على حياة المواطنين وصورة العاصمة.
وأدى ارتفاع الكثافة المضطرد إلى مشاكل الضغط على الخدمات التعليمية، والصحية، والتلوث، والبطالة ، ومشاكل الماء والكهرباء والسكن ….

فلم تعد العاصمة اليوم قادرة على استيعاب المزيد من الساكنة، إن لم تضع الحكومة خطة واضحة المعالم  لإعادة تأهيل المدينة تشمل تنظيم المساكن، والأسواق،  وتنظيف المدينة، وإنشاء شوارع واسعة وخلق بنية تحتية، عصرية تستجيب لمتطلبات العصر والحداثة.

ولكن رغم التحديات الجمة ما تزال نواكشوط إلى اليوم المدينة المتجذرة في عقول ووجدان كل الموريتانين،  يقطنها قرابة ثلثي  الشعب.
بارزة  بوضوح في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية. وفي أذهان وقلوب  وفي خيال الشعب الموريتاني المتطلع لأفضل دائما.

زر الذهاب إلى الأعلى