البطالة جرح الشباب الذي لا يندمل / محمد المختار الشيخ

هل سمعت عن النكتة المبكية والمضحكة في نفس الوقت المتداولة بكثافة اليوم: شاب في سن البطالة ليس في سن الزواج ولا في سن الورد ولا الزهر، بل في سن العجز وخيبة الأمل وانقطاع أسباب الفرح والسرور؟

هل سمعت عن طبيب يمد يديه للناس يوميا وعن مهندس تخرج من أكبر الجامعات ليعود إلى بلده ليفترش الطرقات بعدما انقطعت به السبل وضاقت عليه الأرض بما رحبت؟

ألم تسمع عن شاب اختار الانتحار وأنهى حياته لأنه لم يجد لنفسه مكانا في مجتمعه فاختار أن يرحل عن الدنيا عله يجد دنيا أخرى أكثر رأفة به؟

وفي نفس الدنيا القاسية، اختار شاب آخر أن يلقي نفسه في اليمّ مخاطرا بنفسه عله يصل إلى مكان غير المكان الذي ألفه او يجد أرضا اخرى خصبة صالحة ليزرع فيها عله يحصد الثمار، فكم كانت أرضه الأولى قحطاء قاحلة تشرب الماء ولا تنبت الزرع.

يتساءل الشاب المثقل بالهموم والمتوجس خيفة عن تجربة الغربة التي قد تكون قاسية عليه ولكنها آخر الحلول الممكنة

اختار الغربة والهجرة حيث لا أهل سوى النفس والخواطر ولا مال سوى ما تجنيه، وهل كان هناك مال في أرضه الأم أو عمل حتى يبكيها.

يتساءل الشاب المثقل بالهموم والمتوجس خيفة عن تجربة الغربة التي قد تكون قاسية عليه ولكنها آخر الحلول الممكنة التي لم يبق أمامه سواها، رغم أنه كان يحلم أن يكمل حياته كلها في وطنه الذي لم يكن حنونا عليه.

في نفس الدنيا، القاسية شاب تغرب سنوات ويحمل أعلى الشهادات، يعمل في أحد المقاهي رغم إمكانياته وقدراته ومؤهلاته، فكان بالإمكان أن يستفيد منه بلده، ولكن هيهات، إنه مقبرة للمواهب يدفن كل كفء من الشباب أو يقذفه لليم أو يجبره على الانتحار.

العمل كله شرف، ولكن أليس ظلما أن يعمل خريج أكبر الجامعات في قهوة بدراهم معدودة، وأنىّ أن يعرفوا قدره ووطنه الأم لم يحفظ له قدره.

لكن حاله ربما أفضل من ذالك الشاب الذي تخرج ولم يجد غير جماعة تدعي معرفتها بالدين وأنها ظل الله في الأرض والمخولة وحدها بالدفاع عن الدين فتكفر من تشاء وتقتل من تشاء، فقرر في لحظة غسيل مخ جنونية الالتحاق بها.

ربما ضحكوا عليه وغرروا به وربما انتقاما لنفسه من الوطن والمجتمع ونفسه، ربما هي طريقة انتحار حين لم يجد لنفسه عملا وأضاع سني عمره الغالية بحثا عن تلك الشهادة التي كان يحلم أن تغير مجرى حياته وأن تجعل منه إنسانا آخر غير الإنسان الجاهل الذي يمد يده لأهله تارة وللناس تارات.

لكن دنيا القرن الحادي والعشرين لها أحكامها ولها طريقتها في الحياة.

إذا أردنا حلا للقضاء على آفات الإرهاب والمخدرات واستعادة طاقة شبابنا فعلينا أولا القضاء على الفساد

إذا كان هناك داء يهدد الشباب اليوم فإنه البطالة التي انتشرت بشكل مكثف. فقد أثبتت دراسات أجريت هذا العام أن منطقتنا العربية من أكثر المناطق بطالة في العالم وأن شبابنا ما بين منتحرر أو إرهابي أو تاجر مخدرات أو مشرد أو من تحول إلى متسول. وغير ذالك كثير مما يحز في نفوسنا ونفوسهم. والسبب الأول هو داء البطالة.

ربما يتساءل أحدهم: ما هو سبب البطالة الرئيسي؟

الجواب معروف ولا يخفى على أحد: الفساد الإداري والاستبداد.

إذا أردنا حلا للقضاء على آفات الإرهاب والمخدرات واستعادة طاقة شبابنا فعلينا أولا القضاء على الفساد حتى نقضي على البطالة

كان الله في عون شبابنا العربي على ما ابتلاهم به.

زر الذهاب إلى الأعلى