المنقبون بين مطرقة الفقر وسندان إرهاب السلطة..!!
يعتبر نشاط التنقيب عن الذهب من أهم الأنشطة التي استهوت العديد من الفئات العمرية التي عانت من داء العطالة التي يضرب بأطنابه بين مختلف الفئات النشطة في المجتمع؛
فأنفقوا أموالهم وبددوا طاقاتهم وأوقاتهم للوصول إلى ثراء سريع أو على الأقل تحصيل لقمة عيش كريمة؛ لم ولن يعولوا يوما على الدولة في توفيرها لهم؛ بل كانوا دائما كادحين لا يألون جهدا للحصول عليها …فلا يعرفون في الدولة إلا الإتاوات والضرائب التي تلاحقهم في أي نشاط تجاري يمارسونه.
وفي خضم سعي هؤلاء المنقبين للحصول على الحجارة التي تحوي نسبا من الذهب؛ ركبوا المخاطر نحو” الشكات “؛ وغيرها من المناطق حفروا الآبار التي كانت مقابر جماعية للكثير منهم(كتبت مقالا في بعض تلك الحوادث المؤلمة، بعنوان:” سيادة الرئيس أوقفوا الموت الجماعي”).
وفي ما تعرض له مئات الأشخاص السنة الماضية من اضطهاد في منطقة تازيازت كتبت مقالا بعنوان:(صرخة من مجهر عزرائيل )
واليوم تعود حليمة إلى عادتها القديمة؛ وتعود السلطات إلى طرد مواطنيها من مناطق استثمروا فيها أموالا وأضاعوا فيها أوقاتا؛ لحجج واهية..!! مفادها أن تلك المناطق هي ضمن الترخيص الممنوح لشركة النهب تازيازت…فلما ذا يا ترى تأخذ معادن موريتانيا الضرائب التي تصل على البئر الواحد 50 ألف أوقية جديدة وعلى المواطن 500 أوقية جديدة و5000 أوقية جديدة للأجنبي؛ لماذا “يحلب المواطن ” في أي سانحة تجدها السلطات… أليس من الحيف أن يدفع المنقبون رسوما عن آبار سيطردون عنها قبل أن يسترجعوا بعضا مما خسروا من تكاليف باهظة.
يحدثني أحدهم بحزن عميق كيف أن عاملا معهم يقول له إن جرافة عناصر الدرك تقوم بردم بئرنا التي حفرناه خلال شهرين من العمل المتواصل ليلا نهارا وأوصلناه عمق 46 متر مستوي الحجارة التي تحوي الذهب تردم أمام أعيننا دون حول منا أو قوة… ودون أن نحصل منها على غرام واحد من الذهب ..يتحسر المسكين ولسان حاله يقول : “وظلم ذوي القربى أشد مضاضة… على المرء من وقع الحسام المهند”
إنما حدث للمنقبين من ظلم في منطقة تفرغ زينة ليشي بهشاشة الجهاز التشريعي وعلى رأسه البرلمان الذي يمثل الشعب؛ فإذا كانت الاتفاقيات الدولية أو العقود التي توقعها الدولة مع أطراف دولية تخضع للقانون الدولي الذي يسمو على القانون الوطني؛ فإن في العرف السياسي كثيرا ما ألقيت اتفاقيات وعقود ذات صبغة دولية من طرف المشرع إما بكونها معيبة؛ أو بكون السياق الزمني لا يلائم تنفيذها فيلجأ البرلمان إلى تشكيل لجنة لدراسة عقدما أو اتفاقية ما؛ ومراجعتها ليتم إلغاؤها أو تعديلها بما يضمن حقوق المواطنين ويعزز من صون كرامتهم وتمكينهم من الإستفادة من ثرواتهم..التي هم أولى الناس بها..
إن على السلطات أن تعلم أن مجال التنقيب عن الذهب قد خلق “لحمة وطنية” قل نظيرها؛ يلاحظ ذلك في احتكاك الناس بعضهم ببعض وتقاسمهم مشقة العمل أوقات أتراحه وأفراحه؛ ففي مخيمات المنقبين تجد موريتانيا بكل طيفها.. الإثني والقبلي؛ إخوة متعاونين في سرائهم وضرائهم … يتقاسمون ما وهب الله لهم من خير ويزيحون أكوام الحجارة التي قد تنهال على بعضهم في الآبار ذات الأعماق السحيقة؛ في غياب لأي تدخل من السلطات في كثير من الأحيان …!
في حين تنفق الدولة على”خطاب اللحمة الوطنية” أموالا كثيرة في اللقاءات والندوات الكرنفالية التي لا تؤدي إلى أي نتائج ملموسة فأي الوسيلتين أحق بالدعم والرعاية..!؟
إن على الدولة أن تحذر من خطورة الاستهتار بكرامة المنقبين واللامبالاة التي تعتمدها في التعامل معهم لأنهم وبكل بساطة قنبلة موقوتة؛ قد تخلف ارتادادتها عواقب وخيمة على السكينة العامة والأمن …فالظلم عاقبته وخيمة…خصوصا أن المتضررين هم من الطبقات المسحوقة التي نهشها الفقر ورأت في مجال الذهب المخلص؛ فلا تفقدوهم الأمل؛ دعوهم يعيشون على آمالهم؛ لا تقتلوا فيهم الأمل لا تدفنوا أحلامهم كما دفنتم جهودهم وأموالهم في آبار تفرغ زينة لصالح شركة النهب تازيازت … دون أي تعويض مادي أو دون مراعاة لمشاعرهم أو إعطائهم مدة زمنية ليخططوا لرحيل يقلل من خسارتهم…التي ستطال ارتداداتها آلاف الأسر الموريتانية فقرا وعوزا…
إن إذلال المنقبين بمحاصرتهم بأرتال من الدرك والجيش الوطني وإرغامهم على الرحيل صاغرين أمر مهين؛ وتعامل كان يجب أن تتفاداه معادن موريتانيا الجهة الوصية؛ التي ينبغي أن تكون لعبت دورا في حلحلة هذه الأزمة وخلقت حلولا ترضي الأطراف المعنية…؛ بما يؤدي إلى إنفاذ القانون وصون كرامة المواطن وضمان حصوله على حقه.
الكاتب؛ احمد جدو ولد محمد عمو (المنقب حاليا).