ما أحوجنا إلى حراك “نُثَمن وننتقد” أو “نَنتقد ونثمن
هناك سؤال يتكرر طرحه دائما في أغلب النقاشات التي تجمعني مع بعض المهتمين بالشأن العام، والذين لم تعد تقنعهم الموالاة التقليدية ولا المعارضة التقليدية …يقول السؤال في إحدى صيغه الأكثر مباشرة : أيُ حراك سياسي يناسب هذه المرحلة؟
في اعتقادي الشخصي أن الإجابة المباشرة على هذا السؤال المباشر قد لخصها عنوان المقال، فالحراك السياسي الذي يناسب هذه المرحلة هو حراك ” نثمن وننتقد” أو “ننتقد ونثمن”، فمن كان أقرب للموالاة فيمكنه أن يبدأ ب :”نثمن”، ومن كان أقرب إلى المعارضة فيمكنه أن يبدأ ب : “ننتقد”، وسيبقى من الضروري في كل الأحوال أن يتم الجمع بين التثمين والنقد، فذلك هو ما يناسب سياسيا هذه المرحلة من تاريخ بلادنا.
نحن في هذا العهد بحاجة إلى طبقة سياسية تختلف عن طبقتنا السياسية التقليدية التي تعودت على واحد من نمطين اثنين: إما التطرف في موالاة الأنظمة، أو التطرف في معارضة تلك الأنظمة.
نحن في هذا العهد بحاجة إلى طبقة سياسية جديدة قادرة على أن تثمن وتسوق ما تحقق من إنجازات هامة للطبقات الهشة، وقادرة في الوقت نفسه على أن تنتقد ما يجري من تعيينات وإعادة تدوير لموظفين فاسدين أو فاشلين لا يمتلكون أي قدرة ولا حتى أي رغبة في الإصلاح.
نحن في هذا العهد بحاجة إلى طبقة سياسية جديدة قادرة على أن تثمن فتح واحد من أكبر ملفات الفساد في تاريخ البلد ( ملف فساد العشرية)، وقادرة في الوقت نفسه على أن تنتقد عدم الصرامة في التعامل مع ما قد يحصل من فساد من بعد العشرية.
نحن في هذا العهد بحاجة إلى طبقة سياسية جديدة إذا ثمنت لا تثمن تصفيقا أو تطبيلا للنظام، ولا تثمن بحثا عن مصالح ومكاسب شخصية، وإنما تثمن لتشجيع النظام على القيام بمزيد من الإصلاح.
ونحن في هذا العهد بحاجة إلى طبقة سياسية جديدة إذا انتقدت لا تنتقد من أجل تلميع نفسها والظهور على أنها هي من يدافع عن المواطن المطحون، ولا تنتقد من أجل تعرية النظام وإظهار عيوبه للمواطنين، وإنما تنتقد من أجل إظهار مكامن الخلل وأوجه التقصير وحث النظام على تصحيح ما يحصل من خلل وتقصير.
لا خير فيمن يوالي تطبيلا أو تصفيقا أو بحثا عن مصالح ضيقة، ولا خير كذلك فيمن يعارض لتلميع نفسه أو لإظهار عيوب النظام، ودون أن تهمه المصلحة العليا للوطن.
بين الموالاة التطبيلية والمعارضة المتطرفة توجد منطقة وسطى هي ما يمكن أن نطلق عليه منطقة : ” نثمن وننتقد” أو “ننتقد ونثمن”..هذه المنطقة الوسطى هي التي تليق بمن تهمه حقا المصلحة العليا للوطن من قبل أي مصلحة ضيقة أخرى.
مثل هذه المنطقة الوسطى التي تجمع بين التثمين والنقد هي التي تحتاجها بلادنا في مثل هذا الوقت، وهي التي يحتاجها النظام القائم حاليا، ومن الضروري لمن أراد تأشيرة دخول لهذه المنطقة أن يتمتع بالصفات التالية :
ـ أن لا يكون في ماضيه أي شبهة فساد أو تزلف أو تطبيل؛
ـ أن لا يكون قد عُرِف عنه أي نشاط قبلي أو جهوي أو شرائحي؛
ـ أن لا يكون من طائفة السلبيين العدميين أو المثبطين أو المكتفين بالتفرج على ما يجري في البلد من أحداث دون أن تكون لهم أي ردة فعل؛
ـ أن يكون من المؤمنين بأهمية الإصلاح الآمن والمتدرج، وكذلك من المقتنعين بأن إصلاح المجتمع يبدأ أولا بإصلاح النفس؛
ـ أن يكون على استعداد للتبرع بساعة على الأقل من كل أسبوع للخدمة العامة؛
خلاصة القول هي أننا في هذا الظرف من تاريخ البلد بحاجة ماسة إلى حراك سياسي جديد تنشط فيه مجموعة من الموريتانيين بالمواصفات المبينة أعلاه، على أن يمتلك هذه الحراك من القدرات والمؤهلات والشجاعة والجرأة ما يمكنه من تثمين وتسويق المنجز وانتقاد ما يحصل من أخطاء و تقصير مع الضغط لتصحيح ما يحصل من أخطاء وتقصير.
إننا بالفعل بحاجة إلى حراك سياسي جديد يرفع شعار “نُثَمن وننتقد” أو “نَنتقد ونثمن”.
حفظ الله موريتانيا…
محمد الأمين ولد الفاضل