الوحدة والتوحيد فالخطاب الإلهي / حي معاوية

من أبرز السمات التي تميز بها الإسلام عن غيره من الأديان ، أنه دين قائم على “الوحدة” و”التوحيد” ، فالرب واحد والنبي واحد والكتاب واحد ، وقد خاطبنا الله سبحانه وتعالى في هذا الكتاب المحكم بقوله ( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) ، فجمعت الآية الشريفة بين مركزية وحدة الأمة من جهة ومركزية عقيدة التوحيد من جهة أخرى ، وكلا المسألتين تترتب عليهما أمور أساسية في الدين ، فالأولى تؤكد على أن شعائر المسلمين وعباداتهم ومعاملاتهم وغيرها من أمورهم الدنيوية والأخروية موحدة ومحكومة بنص واحد ثابت لا يتبدل ، كما تقتضي أن صون وحدة الأمة وحمايتها من الفرقة والشقاق هو تكليف رباني لكل فرد مسلم ، أي أن المسلم مطالب شرعا بالابتعاد عن المذهبية والطائفية والانتماء للجماعات والفرق التي تدعي كل واحدة منها أن فهمها للدين هو الحق وما عداه باطل.
وإذا عدنا للواقع الإسلامي اليوم نجد أن المسلمين فرطوا في هذا الأمر الإلهي الصريح ، حيث تفرقوا إلى مذاهب وطوائف وتيارات تتصارع فيما بينها ، كل مجموعة تفاخر بما لديها من كتب وتفسيرات وأحاديث وتأويلات ، تقدسها أيما تقديس وتعتبرها مرجعية وسلاحا ترفعه في وجه المجموعات الدينية الأخرى ، فكانت النتيجة المتوقعة هي إبتداع خطاب ديني اسلامي حال بين الناس وبين الخطاب الالهي الذي يأمر بالوحدة والاتحاد ويحذر من الفرقة والاختلاف، كما في قوله تعالى : (وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) وقوله (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) وقوله (وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) وقوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ).
أما القضية الثانية التي أشارت إليها الآية الشريفة ( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) فهي قضية “التوحيد” وعبادة الله الواحد الأحد ، والاعتقاد الجازم بأنه هو وحده النافع والضار وهو من يتحكم في أحوال العباد وفي مصائرهم ، وعلى المسلم الايمان بذلك ايمانا مطلقا ونبذ كل ما يخالفه من معتقدات .
وقد بين القرآن العظيم قضية التوحيد في العديد من الآيات الشريفة ومنها قوله تعالى (للَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وقوله ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) وقوله تعالى (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، وقوله سبحانه وتعالى (ذلِكُمُ اللهُ ربُّكُمْ لا إلهَ إلاّ هُوَ خالِقُ كلِّ شيءٍ فاعبدوه وهو على كلِّ شيءٍ وكيل).
ومع أن الخطاب الإلهي وضع التوحيد على رأس سلم العقائد وأكد على خطورة الشرك بالله وضرورة البعد عنه ، لم يسلم التاريخ الإسلامي من ظهور معتقدات ومذاهب تمارس طقوسا تنافي مع التوحيد الصافي الذي أمر به الله في كتابه العزيز ، ومن ذلك الاستغاثة بغير الله والتوسل بالأشخاص والتبرك بالقبور ..الخ ، ويعد الشيعة من أبرز من وقعوا في هذا الانحراف الخطير الذي حذر منه القرآن بنصوص صريحة محكمة نجد منها قوله تعالى (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ) وقوله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) وقوله (يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ).
وكخلاصة لما تقدم يمكن القول أن ما ورد في الخطاب الإلهي بشأن مسألتي “الوحدة” و”التوحيد”، قد استبدل في كثير من الأحيان بخطاب ديني مناقض ، خصوصا ما يتعلق بوحدة الأمة الإسلامية المنقسمة اليوم على نفسها مذهبيا وطائفيا ، كما أن “التوحيد” في مفهومه القرآني الخالص، قد خالطته بعض المسلكيات والعقائد الشركية ، التي نجدها اليوم منتشرة بين المسلمين ، ليس فقط عند الشيعة بل لدى البعض ممن يدعون انتماءهم لأهل السنة . والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: متى يبقى المسلمون يصمون آذانهم عن الخطاب الإلهي الذي يأمرهم بالوحدة وصفاء العقيدة، ويعتمدون عوضا عنه خطابا دينيا بشريا تسبب في تفرقتهم وتمزيق وحدتهم وإصابة عقيدتهم بالتشوه؟!

زر الذهاب إلى الأعلى