.. انتخابات حاسمة لرسم خارطة سياسية جديدة

يتوجه المغاربة، اليوم الأربعاء، إلى صناديق الاقتراع للتصويت في انتخابات تشريعية ستحدد ملامح المشهد السياسي في البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك بعد عشر سنوات من هيمنة ائتلاف يقوده حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، على رئاسة الحكومة.

أكثر من 17,9 مليون ناخب مغربي مدعوون للتصويت لاختيار 395 نائبًا في البرلمان، ولكن أيضًا لاختيار المجالس المحلية والجهوية، في ثلاث انتخابات متزامنة، رغم مخاوف من أن لا تكون نسبة المشاركة مرتفعة، بسبب إجراءات مواجهة تفشي جائحة «كورونا».

وانطلقت الحملة الانتخابية 26 أغسطس الماضي، واستمرت لأسبوعين، ولكنها كانت محدودة ميدانيا رغم قوة التنافس، إذ أن وزارة الداخلية المغربية حدت من التجمعات الدعائية بسبب الأوضاع الصحية، فقررت أن لا تتجاوز هذه التجمعات 25 شخصًا، ومنعت نصب الخيام وتنظيم الولائم والحفلات الدعائية.

ولجأت الأحزاب المتنافسة إلى الجولات الميدانية، والتنقل عبر الأحياء وبين البيوت، ولكن الإجراءات تضمنت أن لا يتجاوز عدد الأشخاص في كل فريق ميداني 10 أشخاص، أما مواكب السيارات الدعائية فلا تتجاوز خمس سيارات فقط.

أمام هذه الأوضاع، ركزت الأحزاب السياسية في حملاتها على اللافتات الدعائية، التي انتشرت في الشوارع الكبيرة والفرعية، ولكن جهد المتنافسين الأكبر انصبَّ على مواقع التواصل الاجتماعي، لاستهداف فئة الشباب بشكل خاص، والتي تشكل كتلة انتخابية معتبرة.

البيانات الصادرة عن الداخلية المغربية تشير إلى أن 6815 مرشحًا يتنافسون في الانتخابات التشريعية، ضمن 1704 لوائح انتخابية، تسعى للفوز بأكبر قدر من مقاعد البرلمان البالغة 395 مقعدًا، ومثلت النساء 34 في المائة من إجمالي الترشيحات.

ويتنافس في الانتخابات 31 حزبا، لصياغة خارطة سياسية جديدة، بعد نهاية عهدة كانت الحكومة فيها تتشكل من ائتلاف أحزاب يضم «العدالة والتنمية» و«التجمع الوطني للأحرار» و«الحركة الشعبية» و«الاتحاد الاشتراكي» و«الاتحاد الدستوري»، أما المعارضة فكانت تتصدرها أحزاب «الأصالة والمعاصرة» و«الاستقلال» و«التقدم والاشتراكية» و «حزب فيدرالية اليسار».

ولأنه لا يمكن لحزب أن يحقق الأغلبية المطلقة التي تمكنه من أن يشكل الحكومة وحده، يتشكيل ائتلاف حكومي بناء على تفاهمات عقب الانتخابات، فيما ينص الدستور المغربي على أن الملك يعين من الحزب الفائز رئيسا للحكومة.

في الانتخابات الماضية حقق حزب «العدالة التنمية» 125 مقعدا، من أصل 395 مقعدا في البرلمان، ما منحه رئاسة الحكومة، ولكنه اضطر إلى التحالف مع أحزاب التجمع الوطني للأحرار (37 مقعدا)، والحركة الشعبية (27 مقعدا)، والاتحاد الاشتراكي (20 مقعدا)، والاتحاد الدستوري (23 مقعدا).

ويسعى «العدالة والتنمية» لتحقيق الفوز للاحتفاظ برئاسة الحكومة، ولكنه مثقل بحصيلة عشر سنوات من قيادة الجهاز التنفيذي، كما أنه يواجه منافسة شرسة من الحزب الصاعد بقوة «التجمع الوطني للأحرار» بقيادة وزير الفلاحة عزيز أخنوش، بالإضافة إلى الحزبين القادمين من المعارضة؛ حزب «الاستقلال» العائد إلى الواجهة بعد تغييرات داخلية كبيرة، وحزب «الأصالة والمعاصرة».

وخسر حزب «العدالة والتنمية» انتخابات الغرف المهنية الشهر الماضي، حين حل في المرتبة الثامنة بحصوله على 49 مقعدا فقط، أي أقل بـ 147 مقعدا بالمقارنة مع ما حققه في نفس الانتخابات عام 2015، فيما نجح حزب «التجمع الوطني للأحرار» في أن ينتزع صدارة انتخابات الغرف المهنية.

ورغم ذلك يبقى التنافس قويا بين الأحزاب الكبيرة، في انتظار أن يقول الناخب المغربي كلمته، في انتخابات اعتمد المغرب لمراقبتها أكثر من 4500 مراقب يمثلون 44 منظمة غير حكومية.

وتحظى هذه الانتخابات بأهمية كبيرة في المغرب، إذ أنها هي الثالثة من نوعها منذ دستور عام 2011، ويرى فيها المغاربة خطوة نحو تجذير العملية الديمقراطية، بل إن الملك محمد السادس في خطاب نهاية أغسطس الماضي، قال إنها «تؤكد عمق الممارسة الديمقراطية، ونضج البناء السياسي المغربي»، وأضاف أن «الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية»، مشيرًا إلى أن ذلك «هو سلاحنا للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات».

زر الذهاب إلى الأعلى