النفاق السياسي .. الفرق الشاسع بين المبادئ والممارسة … خاص
الموريتاني : إن ما تشهده الساحة السياسية من ممارسات بعيدة عن الصدقية، والحق والحقيقة واستشراء الفساد يدل على أن هناك فرقا شاسعاً بين المبادئ الحافلة بها المناهج التربوية والتعليمية في بلادنا وبين الممارسات السائدة على صعيد الواقع .
لتظل قنوات التعليم بحكم أنها تلقينية في الأسلوب عاجزة عن ترسيخ المبادئ السامية التي تحفل بها مما يخلق هذا التباين بين المبادئ والممارسة.
ولعل هذه الممارسات في الأطر السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها تتلون بلون هذه الأطر، ولكن يجمع بينها أنها ممارسات تستمرئ النفاق والفساد إلى حد كبير، ولذلك فهناك النفاق السياسي، والنفاق الاجتماعي والنفاق الثقافي .
والنفاق السياسي يبدو طاغياً على الساحة الوطنية ، وربما كانت غلبة الاستبداد في كثير من الأحيان منتجة لهذا اللون من النفاق .
وعادة ما يروج للنفاق السياسي بعض أصحاب القلم، وينحون هذا المنحى ابتغاء مرضاة أصحاب القرار، أو رغبة في الحصول على مغنم أو اتقاء مغرم .
وبحكم أنهم يملكون ناصية الكلمة فهم الأقدر على ترويج النفاق السياسي، وعلى ركوب مركبه للوصول إلى غاياتهم .
ويكون الإعلام عادة هو وسيلتهم في نشر النفاق السياسي , ولعل الإعلام الرسمي يستقطبهم مع أنهم قد يستقطبون أنفسهم، وتفتح لهم أبواب الإعلام الرسمي على مصاريعها .
ولكن الفضاء الإعلامي الواسع قد تكون أبوابه مشرعة لهم ولغيرهم وليس كما هو الوضع على ساحة الإعلام الرسمي فهم الفرسان الوحيدون على هذه الساحة .
وفي الفضاء الإعلامي الواسع تجد بعض ردات الفعل لهذا التيار النفاقي حضوراً، وإن كان في كثير من الأحيان تعبيراً عن احتقان سياسي .
وفي الفضاء الإعلامي الواسع يختلط الحابل بالنابل، ويختلط النفاق السياسي بردات الفعل المناهضة لهذا النفاق، كما أن الإنترنت يظل باباً مشرعاً لهذا التلاطم بين أطياف النفاق السياسي وردات الفعل المناهضة للنفاق السياسي أو التلاطم بين أطياف النفاق السياسي وأطياف الاحتقان السياسي .
وقد يكون النفاق السياسي داعماً للفساد السياسي، كما أن الفساد السياسي قد يكون داعماً للنفاق السياسي، ولعلهما متشاركان ومتفاعلان ومؤثران ومتأثران في إطار يجمعهما لأهداف ومآرب مشتركة .
والفساد السياسي لابد أن يعتمد على وسائل إغراء تمثل مغانم، وهذه المغانم قد تكون مالية أو عينية أو وظيفية أو غيرها، وتحقق غايات شخصية، وقد يشار في الغالب إلى الفساد الإداري وهو في جانب منه سياسي، كما أنه قد يشار إلى الفساد الاقتصادي وهو في جانب منه سياسي أيضاً .
ومرد الأمر في ذلك أن السياسة حين تكون للاستبداد الغلبة تتدخل في كل مفاصل الحياة، ولهذا فإن أي فساد من أي لون لابد أن يكون الطيف السياسي فيه حاضراً .
ولما كانت غلبة الاستبداد حاضرة في كثير من الأحيان على الساحة العربية فإن النفاق السياسي لابد أن يكون حاضراً كما أن الفساد السياسي لابد أن يكون حاضراً مع أطياف الفساد الأخرى .
والقضية تحتاج إلى تمعن أكبر، ومعروف أن حرية التعبير ومنظومة الديمقراطية بما تشملانه من حفظ للحقوق والحريات وسيادة القانون واستقلال القضاء هما اللتان تفرزان مناخاً تتنفس فيه الكلمة بحرية من دون أن تنتهك حرمتها ويصبح الصدق ممارسة وليس مجرد مبدأ يفصله عن الممارسة بون شاسع، وحينئذٍ لابد أن تتقلص إلى حد كبير ظاهرة النفاق السياسي، وكذلك ظاهرة الفساد السياسي، وما يرتبط به من كل أطياف الفساد التي قد تؤجج ثورة الشارع .