غياب “أدب الطفل” وثقافة “التبتيب”/الولي سيدي هيبه
على الرغم من جائحة “الكورونا” في متحورها المستجد “أومكرون” تقام بالقاهرة هذه الأيام نسخة جديدة من “معرض القاهرة الدولي للكتاب” تشارك فيه عشرات الدول ومئات “دور النشر” في أجنحتها النبضة، ومئات المؤلفين والأدباء والمؤرخين والرسامين والإعلاميين. فالمعرض يشكل بحق تظاهرة، فكرية وعلمية وثقافية وفنية وصناعية، كبيرة تسجل نفسها في سياق دعم مسارات العلم وتوسيع آفاق المعرفة التي تتمدد دائرة تنويرها للعقول وضمان سير عطائها الدافق على البشرية. وتحصر في الغالب أهداف معارض الكتب التي يستقطب ملايين الزوار كل سنة في :
ـ التبادل الثقافي بين الزوار لإعادة الاعتبار للثقافة بصفتها حركة توعية و تنموية .
ـ ضمان حضور الأدباء والمفكرين لكسر كافة الحواجز التي تنشأ بين الدول و البلدان المختلفة .
ـ تدارس كافة الوسائل الحديثة لتعميق التبادل الفكري والثقافي.
ـ توفير الكتب في المعارض بثمن مناسب وكتب مستعملة بثمن رمزي ما يتيح فرصة رائعة للقراء و مساعدا على إنعاش سوق الكتب .
ـ مساعدة دور النشر على تقديم آخر انتاجاتها لجمهور محبي القراءة .
ـ التمتع بالفعاليات المصاحبة للمعرض على أمل أن يستميل قلبه كتاب من الكتب المعروضة.
ـ إتاحة فرصة ملاقاة المؤلفين و الكتاب المفضلين والضهيرين و تبادل أطراف الحديث او حتى الحصول على إهداء منهم على نسخ الكتاب خاصتهم .
ـ تمكين دور النشر من بيع عدد مهم من النسخ وتشجيع المؤلفين على الاستمرار في الإبداع والإنتاج والعطاء والإثراء.
ـ تحبيب الأطفال في القراءة واصطحابهم للمعرض نظرا لوجود أجنحة خاصة بهم.
وفي كل نسخة من نسخ المعارض يزيد الاهتمام أكثر بـ”أدب الطفل” وتتنافس دور النشر بمنشوراتها البديعة التي تحمل هذا الأدب رفيعا يعد نفسيته للسمو، يهيئها للتوازن ويفتق عقله على مكامن طاقاته الدفينة لاستدعاء إبداعاته ومهارته النائمة. ومعلوم أن جناح الأطفال هو قلب المعارض النابض ومنصة انطلاقاتها إلى فضاءات بناء الإنسان في تجدد تبقى معه البشرية في أنصع أوجهها. وأيضا تشكل معارض الكتب مناسبة فريدة في تجددها لإظهار مستوى الاهتمام المتصاعد بالطفل في كل البلدان، ومسرح استثنائي يتنافس في أجنحته الأدباء والرسامون والتربويون ليرضوا كل الناس ويطمئنوهم على بناء الأجيال على أعلى الأسس التربوية والمنهجية والنفسية والعلمية.
وهو الأدب الغائب في بلاد “التناقضات الكبرى”، بل وينظر إليه على أنه مضيعة للوقت وتصابي من لدن البالغين. ولكن أنى لأدب طفل أن يرى النور ويشجع وينشر في بلد لا منتج “أدبيا” فيه لكباره:
ـ يرفع من “كبوة”،
ـ أو ينافس في “معرض”، بحضور مشرف ولو “قل كما” وتوجدا نوعا،
ـ أو يصحح مسارا غلبت عليه الادعائية وإعادة تكرير منتج الأولين، بلا تردد أو استحياء، في ضعيف المناسبات التي تقام بعناوين كبيرة ومثيرة على خلفية من المجاملات المكشوفة وتعمد “ستر” وجه العجز الإنتاجي غياب المبدع، تصرف فيه “الأموال وتغيب عنه الأعمال”؟
وأني لأدب طفل – إن رأى النور – أن يُهذب طفلا في بلد “قاموس” التعامل اللفظي فيه مشحون بمفردات تقتل الاستقامة وتعري الإباء وتعيب الأمانة وتنبذ الصدق والوطنية وتشجع روح الاستعلائية والادعائية والكراهية والمراوغة والاحتيال والنفاق؛ قاموس لا تغيب عنه كذلك خيانة الوطن ومهارات التنصل، على حين غرة، من مساطر الأخلاق والقيم و المبادئ؟
صحيح أن ثمة من “الخيرين” من بذلوا جهدا كبيرا وحاولوا بوسائلهم الخاصة في الداخل والخارج أن يلفتوا، عبر كتابات رفيعة بعضها أكاديمي ومن خلال تأليف في الشأن، إلى أهمية الطفل وكل ما يتعلق بإعداده نفسيا وتربويا لتحمل أعباء الوطن وضمان استمراره متوازنا معطاء، لكن مجهودهم الذاتي لم يلاق تفهما، ولا أصاب تشجيعا، ولا حصل على دعم، ولا حفته عناية، ليبقى فريدا ولكنه استثنائي، ينتظر من يثمنه ويعمل بمقتضاه لصالح من هم أمل البلاد وصمام أمان المستقبل، الذين إن ظلوا مهملين ظل البلد على ما هو عليه رهين دائرة “تبتيب” الكبار.