الاحتفال والحدود../ محمد ناجي أحمدو

طالعت أمس والبارحة استهجانا واسع النطاق للاحتفالات المخلدة لليوم العالمي لحقوق المرأة، بدعوى أنه يجب احترام الحزن العام الناتج عن الفاجعة التي تعرض لها أبناؤنا الشهداء من طرف الجيش المالي ومرتزقة الفاجنر.
كما طالعت استهجانا آخر مماثلا لتهنئة رئيس الجمهورية للنساء الموريتانيات بيوم المرأة، و”صمته” حسب المستهجنين عن فاجعة قتل وحرق المواطنين.
والحقيقة أن لهذين الاستهجانين بعض الوجاهة، إذا كانت الدولة الموريتانية قد توصلت بكامل خيوط المشهد، وبكل تفاصيل الجريمة الشنيعة.
الرواية المتواترة، والتي تكتسب صدقية جعلت الحكومة تبني عليها احتجاجها الرسمي لدى مالي، هي رواية تتحدث عن أشخاص قتلوا ثم مثل بهم عن طريق الحرق، وهو ما جعل ذويهم الذين عاينوا موقع الجريمة لا يستطيعون التثبت للأسف الشديد من أن هذه الجثة تعود لفلان أو فلان من أقاربهم، هذه الرواية رغم صدقيتها المرتفعة وحرارتها، حيث زودها أصحابها بالأسماء والانتماءات المحلية، تحتاج لتعزيز لا يدع مجالا للشك، ويمكن المحاججة به رسميا وتقديمه للرأي العام الوطني والدولي.
تتذكرون قبل أقل من شهر أن رئيس الجمهورية عزى في المنقبين الذين انهدمت عليهم بئر تنقيب في اصبيبرات، ثم تم بعد ذلك استخراج المواطن حمود ولد عبد الكريم بفضل الله، وأن الموضوع لم يمر عندكم مر الكرام، رغم الزيارة الفورية التي أداها الرئيس للمنقب في المستشفى العسكري.
الخطوات الموريتانية متصاعدة، وتستتبع ردا ماليا منتظرا وتكون نتيجة له، والمسار يمر من عدة مراحل من عدم الحصافة أن يتم حرقها.
الأكيد أن رئاسة الجمهورية وثلاث وزارات سيادية تعمل الآن من أجل صياغة رد متناسب مع الجريمة والتعاطي المالي مع الاحتجاج الموريتاني، وأن هذا الرد سيكون مركبا من عناصر دبلوماسية يتناسب تأثيرها مع حجم الفعلين: الجريمة والرد المالي، إضافة إلى العناصر الدبلوماسية فإن هذا الرد سيتضمن في حال أصم الماليون آذانهم ودفعوا عنهم اللائمة عناصر ربما تتضمن إعادة انتشار، إلى هنا يجب أن أتحفظ ويتحفظ أي معلق، فالموضوع يقدر بقدره ويراعي ضوابط ومعطيات كبيرة، ليس أبسطها وجود عشرات الآلاف من رعايانا في مالي.
إضافة لذلك هناك بعض الأمور المؤثرة تحت الأرض وفوقها، والتشابكات التي يمكن أن تُفَعِّلها موريتانيا أو قد تكون فعلا فعلتها، (أتمنى أن تكونوا فهمتم أنني أتحدث بتحفظ وحذر شديد).
أما الاحتفال بيوم المرأة فهو حدث سنوي طبيعي يخلده العالم جميعا، ولا يناقض شعورنا بالحزن على أبنائنا فلذات أكبادنا.
احتفلنا فعلا بيوم المرأة، لكننا في نفس الوقت نتحرك بعقل وحكمة ونصوغ ردنا الذي يحفظ كرامة شعبنا وأبنائه.
ولو كنا قد توصلنا بكامل المعلومات المطلوبة، فإننا سنحتفل بالعيد، لكن مع تقليص الاحتفالات، وحذف ما لا يتواءم مع وقار الحزن.
وتذكروا أنه لم يصدر حتى الآن بيان رسمي يتضمن أسماء الشهداء، وأن الدولة رغم احتجاجها الشديد على مالي، وعملها المتواصل خلف أبواب موصدة لتحضير الرد المناسب والعاقل والمؤثر والأقل تكاليفا، ما زالت لم تستكمل إمساك خيوط الحادث.
وتذكروا أيضا أن التعامل مع الأغبياء أشد صعوبة من التعامل مع العقلاء، وأن حاكم باماكو والطغمة التابعة له أغبياء بدليل كل تصرفاتهم، التي وضعت مالي في عزلة إقليمية مريرة، ها هي تقترب من تكثيف حلقاتها.
ختاما تذكروا أن أحلى الانتصارات هو الانتصار دون تحريك جندي، وأن العقل هو أن تجعل خصمك يأكل نفسه.
يكفي هذا من نعت الشور وتنعات اليم.. ويمش بالشور ال فاخلاكُ يجري..

زر الذهاب إلى الأعلى