محامية ولد عبد العزيز.. تتهم جهات معينة بفبركة قضيته
رؤوس الأموال، اسرائيل والتطرّف فبرَكوا قضية محمد ولد عبد العزيز انتقاماً واغتيالاً
سندريللا مرهج
محامية وكاتبة سياسية
أقول كلمة حقّ في لحظةٍ مِفصلية من مصيرِ أوطانِنا العربية.
إن حيَيتْ أشهد على قول الحقيقة، وإن ترجَّلتْ إشهدوا أنّي بَلَّغت.
في زمنِ انقسام العالم العربي حول التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، وفي غمرة ضياع البوصلة مع فلسطين، تُدمّر أوطاننا العربية المقاوِمة واحدةً تلوَ الأخرى.
فلسطين،لبنان، العراق، اليمن، سوريا استُهدفت وتُستهدف دموياً.
دولاً أخرى، تُضرَبُ بما نسمّيه “انقلابات باردة” تعوّل على صراعاتها الداخلية.
يكمنُ الهدفُ الأكبرُ في تنفيذ المشروع الصهيوني الأخطر. خطوطه العريضة تحمل عناوين إنهاء الصراع العربي الاسرائيلي، شرعنة احتلال فلسطين، صنع قوة عربية-اسرائيلية تمتدّ أصابعها إلى مختلف الأصعدة الحياتية.
إنّ اقتلاع الأنظمة والرموز المناوئة لهذا المشروع ضربة استراتيجية لكلّ انقلاب. لذا، تبلورَ الدورُ ضمن السبحةِ نحو الجمهورية الاسلامية الموريتانية قُبيل العام ٢٠١٩ فاتُّخِذَ القرار الآتي:
“عزل رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية محمد ولد عبد العزيز (ديمقراطياً)”
بمعنى آخر، إنّ الرجل الذي انتزع علم اسرائيل من بلاده، وأقفل سفارتها وطرد موظفيها، وطوى حقبة العلاقات مع محتلّ الأراضي الفلسطينية، ثمّ عادَ ورفض التطبيع معها كان عليه ان يدفع الثمن ويعتزل …وينتهي.
فالزمن لم يعد زمانه. وموريتانيا يجب أن تنصاع.
لا أقدِّم في هذه المقالة دفاعاً “همايونياً” عن رئيس الجمهورية الموريتاني السابق.
إنّي كوكيلة قانونية في قضية تطال بلد برئيسها أضع أمام الرأي العام الموريتاني والعالمي، الشعبي والرسمي، وقائع تُكشَف نقابها للعالم يوماً بعد يوم فبلّغوها الى مَن يطمسها او يجهلها أو يعيش حالة إنكارٍ حيالها. فالوثائق السرّية على مستوى الدول لا تكذب، وما من سرّ دولة إلّا ويُكشَف عند تبدّل مسار العواصف.
يقول المثال الشعبي اللبناني “عند تغيّر الدول، إحفظ رأسَك”
إن كانت جريمة الرئيس محمد ولد عبد العزيز أنّه لم يحفظ رأسه عندما آثرَ الحفاظ على رأس الدولة، ونعني مفهوم “الجمهورية”، فحاكِموه.
إليكم الآتي:
صرّح المسؤول السابق عن الملف الشمال الافريقي في وزارة الخارجية الاسرائيلية لصحيفة “معاريف” اسحاق ليفانون في الرابع والعشرين من العام المنصرم أنّ الإسلام المتشدّد تسلّل الى موريتانيا رغم الاسوار، وكانت اسرائيل طوال عقد من الزمن تطمح لمساندة موريتانيا (على حدّ قوله) لكنّها لم تلقَ تجاوباً.
معلومٌ في عالم تبادل المعلومات بين الأجهزة الاستخبارية الدولية أنّ الجماعات المتطرّفة تُموّل بجزء كبير منها من أنظمة سياسية مختلفة إمّا مباشرة تحت مظلّة مؤسسات حزبية،دينية او اجتماعية، وإمّا عبر خطوط إمداد إقتصادية غير مباشرة تديرها شركات تجارية أو مالية متعددة الجنسيات. حتماً هذا هو الواقع في الدول المستهدفة ومنها موريتانيا. في قراءة لسياسة العشرية السابقة وبعيداً عن الاستراتيجيات الرئيسية على مستوى العلاقات الخارجية والانضمام الى المنظمات والاتفاقيات الدولية التي تكافح الارهاب ، واضحٌ أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وعلى المستوى الداخلي سعى إلى تجفيف منابع تمويل المنظمات الاسلامية المتطرفة، فهو حاول قطع الطريق على تهريب سلع معيّنة لجماعات مخرّبة حدودية، وسعى الى رفع الضرائب عن سلع اخرى كانت تُشترى بأسعار زهيدة من موريتانيا وتُباع بأضعاف وأضعاف في عواصم وأطراف دول اخرى وتعود عوائدها لتمويل الحركات المتطرّفة، فكان لا بدّ من وقف استغلال هذه التنظيمات للسوق الموريتاني واستنزافه، واقفل العديد من المؤسسات المشبوهة.
إذاً، فعلها عبد العزيز، خطا بثبات في مشروعه بالحرب على الإرهاب، فتضررت اسرائيل بتضرّر جماعاتها المتطرّفة التخريبية التي تسعى الى تقويض الدولة وصولاً إلى القبول بالصفقات الواعدة الاسرائيلية على حساب الموقف الموريتاني السيادي.
يشير أحد قادة الدول الغربيين إبّان حديث خاص معنا عن قضية عبد العزيز، أنّ موريتانيا قدّمت في مؤتمر باريس ٢٠١٨ رؤية هامّة عن خطّة رئيسها محمد ولد عبدالعزيز مكافحة تمويل الإرهاب.
يُذكَر أنّه على مدار يومين، في نيسان ٢٠١٨ احتضنت العاصمة الفرنسية باريس مؤتمرا دوليا لمكافحة تمويل التنظيمات المتطرّفة تحت عنوان “لا أموال للإرهاب” بمشاركة أكثر من سبعين دولة ومنظمة دولية وإقليمية. الهدف من المؤتمر الدولي مكافحة أنشطة المتعاونين مع الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة وغيرها. وكانت اجتماعات القادة مغلقة وبحثت تبييض الأموال وتجفيف مصادر التمويل، على ضوء فضيحة احدى الشركات الغربية المتهمة بتمويل تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا.
نعم، تضرّر رجال اعمال من نهج الرئيس الموريتاني السابق عبد العزيز في مكافحة التطرّف والارهاب وهذا يُستشفّ من كثير من الاستنساب الواضح في قضية “الفساد” المُساقة بحقه وآخرين، والتي طالت قطاعات اقتصادية دون اخرى وشركات ومؤسسات وجمعيات محدّدة دون أخرى .
وهنا يستحضرنا ما كتبه بيتر نيومان الذي افتتح احدى جلسات مؤتمر باريس المذكور وهو مدير المركز الدولي لدراسة الراديكالية في “كينغز كوليدج” في لندن في دراسة بعنوان “لا تتبعوا الأموال” في اشارة إلى الجملة الشهيرة في الفيلم الأميركي “رجال الرئيس”، “اتبعوا الأموال”والتي اعتبر فيها أن “الحرب ضد تمويل الإرهاب كما جرت منذ 2001 غالبا كانت مكلفة وغير مثمرة.
في موريتانيا، هل اتُبعت الأموال أم رجال الرئيس؟! واضح أنّ ما تتبّع هو الرئيس وبعض رجاله والبعض الاخر تبوأ مراكز سلطة.
استفاد كثيرون من “إزاحة” الرئيس محمد ولد عبد العزيز من المشهد السياسي ما يفتح المجال للبحث عن الحقيقة.
رؤوس أموال كبيرة خرّبت مسار الرئيس السابق السياسي والاقتصادي بعد ان وجدت في سياساته سدوداً لمشاريعها التوسّعية الانتفاعية.
هذا ما يُقرأ من الفئات الاقتصادية المستثناة من الاتهام بقضيته.
نعم، إنّها صورة شبيهة بالهيمنة المالية على مفاتيح القرار في الدولة.
هيمنة قادرة أكثر من أي جهة على فبركة إنقلاب سلطة. عُرفت بالدول الرأسمالية بال lobby وبالدول النامية “زعامات الصف الأوّل”
معظم هؤلاء النافذين بالمال لا يسعون الى مراكز في السلطة السياسية، لا بل إنّ السلطة وسيلة لصون الثروة على حساب الوطن.
لم يستسغ عبر التاريخ اعضاء ما يُعرف nomenklatura بالسلطة السياسية الفذّة، فكان توزيع الادوار بينهم يقضي بتغيير الوجوه السياسية باسم العدالة الاجتماعية .
في الأنظمة الشبيهة بالنظام السياسي والاقتصادي الموريتاني، تبرز قوى رؤوس الاموال لتلعب دور قيادة الصف الاول في توجيه سياسات الدولة. لا تغيب موريتانيا عن هذا المشهد ما يفتح الباب واسعاً حول تفنيد رجال الاعمال المستفيدين من إبعاد الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن مفاتيح القرار في البلد.
تقضي العدالة بفتح تدقيق وتحقيق مالي جنائي على مستوى الدولة وقطاعاتها الخاصة والعامة ورموز الحكم فيها جميعهم دون استثناء.
تقضي العدالة بمساءلة حركات معارضة عن مصادر تمويلها وتتبّع أنشطة حساباتها المصرفية والمالية،
تقضي العدالة بتكليف شركات خبرة متخصصة دولية بتتبّع حركة نقل الاموال والتهرّب الضريبي لشركات اموال تعمل تحت اسماء وجنسيات متعددة في الداخل والخارج
وكلّ ما عدا ذلك تزوير حقائق وإخفاء جرائم قد تدفع ثمنها الدولة.
اليوم يُتهم الرئيس السابق بالفساد، غداً قد تُتهم الدولة ورموزها بإعاقة سير العدالة الدولية وحتماً ليس محمد ولد عبد العزيز المَنفي في الوطن شريكاً بما قد يكون يُرتكب.
-في ١٥ آذار من العام ٢٠٢١ وبعد ان كان الحكم قد انتقل في موريتانيا، يصرّح غاريد كوشنير ، صهر ومستشار الرئيس السابق دونالد ترامب في حديث الى صحيفة “وول ستريت جورنال” ما حرفيته: “إنّ العالم العربي لم يعد يقاطع الدولة اليهودية بل يراهن على أنها ستزدهر”.
ويتابع : “هناك أيضاً العديد من الدول الأخرى التي على وشك الانضمام إلى اتفاقيات إبراهام، بما في ذلك عُمان وقطر وموريتانيا. يجب متابعة هذه العلاقات بقوة، كل صفقة هي ضربة لمن يفضل الفوضى”.
غير واضح لماذا أُقحمت موريتانيا يومها في ذاك التصريح. او ربّما غير واضح علناً.
ولكن الواضح، انّ رؤوس الأموال، اسرائيل والارهاب فبركوا قضية محمد ولد عبد العزيز انتقاماً لما مضى واغتيالاً “سياسياً” لما يمضي وذلك بأيادٍ داخلية بعضها عن علم وقصد والأخرى عن جهالة.
لِمَن يهمّه الأمر، إنّ تقرير َاللجنة البرلمانية التي على اساسه يُتّهم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالفساد يستحقّ أن يُفتح تدقيق خبرة بشأن مدى صحّته وظروف أبطالِه.
وأتمنّى لدولة موريتانيا الغالية وشعبها دوام الحرص على تطبيق مبدأ الشفافية والنقد الذاتي في إدارة شؤون الدولة وأسس الرقابة والمحاسبة تطبيقاً للفقرة الثالثة من المادة ٦١ في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والتي وقّعت وصادقت عليها دولة موريتانيا والتي تلزمها كدولة طرف بأحكامها.
نصّت المادة ٦١ فقرة ٣ على ما يلي:
“تنظر كل دولة طرف في رصد سياساتها وتدابيرها الفعلية لمكافحة الفساد وفي إجراء تقييمات لفعالية تلك السياسات والتدابير وكفاءَتها”
فكيف ترصد موريتانيا اليوم خطواتها من قضية الرئيس محمد ولد عبد العزيز ؟!
وكيف يقيّم العهد كفاءَة سياسات وتدابير اجراءات الدولة في اتهام رئيسها؟
لا شكّ إنّ الذين يصفقون كثر وعاقدي الصفقات أكثر .. يتبع…