الحجاب خلف الضباب/ المفكر الاسلامي علي محمد الشرفاء الحمادي


قال الله سبحانه وتعالى: ( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) البقرة (٧٥).

فلينظر المسلمون كيف حرف الأزهر مقاصد كلمات الله عنالحجاب في القرآن الكريم ليستمد منها دليلا يستند اليه في فتواه بشأن حجاب المرأة، وأنه فرض عين بنص القرآن دون أن يذكر الآيات التي نصت صراحة في بيانه على اعتبار أن الحجاب فرض عين وأنه تغطية الرأس للأنثى؛ واستند إلى آيات لا علاقة لها بحجته الضعيفة، ولم يستطع ذكر آية من كتاب الله صراحة تؤكد فتواه المزورة على القرآن، فذهب يجمع بعض الآيات التي تتحدث عن كلمة “حجاب” التي ليس لها علاقة بحجاب المرأة، ساعيا بشكل مستميت للدلالة على صحة فتواه، وللأسف عرض بعض الآيات التي تتحدث عن مواقف لا تتعلق بالمرأة وإنما ذكرت كلمة “حجاب” فيها فقط، كما ضرب مثلا في قول الله سبحانه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب (٥٣)، وقول الله سبحانه: (يا بَني آدَمَ قَد أَنزَلنا عَلَيكُم لِباسًا يُواري سَوآتِكُم وَريشًا وَلِباسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ ذلِكَ مِن آياتِ اللَّـهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ) الأعراف (٢٦)، وغيرها من الآيات التي تم تحريفها وتفسيرها بأنها تعني حجاب المرأة لتوافق آراء شيوخ الدين وفقهائهم وهم يعلمون حق العلم بأنهم يحرفون شرع الله بما يخدم فهمهم ويبدلون مقاصد الآيات القرآنية لتدعم فكرهم، كما أن الشريعة اليهودية هي أول من استحدث تشريع الحجاب، حيث قال التلمود صراحةً (شعر المرأة عورة )؛ ذلك ما قرره الحبر الشهير ( يعقوب بن أشر) الذي كان من أشهر علماء اليهود في القرون الوسطى، وقد قرر أن على المرأة أن تغطي رأسها حسب الشريعة اليهودية المسماة ( لفني عيور )؛ وذكر الحبر اليهودي حزقيال في كتاب (الزوهار ) مايلي: ( لتكن اللعنة على كل رجل يسمح لزوجته أن تكشف شعرها، هذا جزء من عفة المرأة).

وفي الشريعة المسيحية ورد في رسالة بولس الرسول، الأولى الى أهل ( كورونثوس ) مايلي: ( أحكموا انفسكم فلا يليق بالمرأة ان تصلي الى الله وهي غير مغطاة )، وإذا كانت المرأة لا تغطي رأسها فأولى بها أن تقص شعرها ).

اما الشريعة الالهية في الاسلام بشأن الحجاب فلم ينص القرآن في آياته صراحة بأن يكون الحجاب فرض عين على المرأة لتلبس الحجاب؛ إنما شرع الله للمسلمين في قوله مخاطبا رسوله عليه السلام: (  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) الاحزاب (٥٩)، والجلابيب مشتق من الجلباب المتعارف عليه الذي يستر كل الجسم عدا الراس.

وهكذا نستنتج مما ارتكبه الفقهاء من المسلمين من تحوير وتحريف لمقاصد آيات القرآن الكريم، وبدلوها الى أن تؤدي معان تتوافق مع اهدافهم ورغباتهم دون خشية من الله وخوفاً من حسابه لهم يوم القيامة.

يتبين للمسلمين أن الفقهاء هجروا القرآن واعتمدوا على الروايات الفارسية، وعلى الإسرائليات، وانصرفو ا عن الشريعة الاسلامية التي أنزلها الله على رسوله في الكتاب الحكيم حتى أصبحت الروايات المزورة على الله وعلى رسوله الأمين، والمنسوبة اليه ظلماً وعدواناً، هي المرجعيات الوحيدة لفقهاء المسلمين دون آيات القرآن الكريم، ولم يدركوا بأن محمدا عليه السلام خاتم النبيين، أعلن للناس في حجة الوداع أن رسالة الاسلام التي حملها من قبله الرسل والانبياء عليهم السلام، قد اكتملت برسالته وما أنزل الله عليه من آيات الذكر الحكيم حينما نطق لسانه الشريف في حجة الوداع بقول الله سبحانه ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ) (المائدة: ٣)، فجاء القرآن مكملا لما قبله من الكتب المقدسة والرسل المكرمين، وكان أولى بفقهاء المسلمين أن يعتمدواعلى مرجعية القرآن، وليس على مقولات وروايات الإنسان وألا يعتمدوها مصدراً رئيسيا لدين الاسلام والشريعة الالهية حين استمد أكثر الرواة ما تسمى بالشريعة الاسلامية من كتب اليهود والكتب المسيحية.

لقد خلق الله الانسان حرا في اختياراته لعقيدته ودينه ومنحه الحق في الإيمان بالله دون إكراه، والكفر بالله بكل الحرية وحسابه عند الله يوم الحساب وما على الرسول الا البلاغ حيث قال سبحانه مخاطباً رسوله عليه السلام ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: ٢٩)، ثم قال الله سبحانه ايضا ( رَبُّكُم أَعلَمُ بِكُم إِن يَشَأ يَرحَمكُم أَو إِن يَشَأ يُعَذِّبكُم وَما أَرسَلناكَ عَلَيهِم وَكيلً) الاسراء (٥٤) 

فاذا كان الله سبحانه أعطى الانسان الحرية المطلقة بالإيمان به أو الكفر بالله فكيف يتم استباحة حق المرأة في اختيار ملابسها، وكيف يتسلط الفقهاء على حقها في الحرية التي منحها الله كما منح الذكور نفس الحقوق؟ فمن ياترى يتحدى شريعة الله وهل كلف الله الفقهاء نيابة عنه بصياغة شريعة للناس تتعارض مع شريعة الله؟

وبمناسبة السنة الهجرية الجديدة وما تعنيه وما تمثله مناسبة ذكرى العام الهجري التي هاجر فيه الرسول عليه السلام من مقر مولده وموطنه من أجل حماية الامانة الالهية كتاب الله وآياته ليبلغه للناس بلسانه ويتلو عليهم آياته ويعلم الناس الحكمة ويرشدهم الى طريق الخير وما تحمل في سبيل ذلك من ظلم ومعاناة وصبر جميل مؤمناً بنصر الله ليسلم الامانة للناس دون تحريف ودون تزوير، وليخرج الناس من الظلمات الى النور؛ في هذه المناسبة، أناشد كل من يعتقد بأنه يحمل امانة الدعوة للاسلام أن يتقي الله في المسلمين وأن يحمل الامانة كما حملها الرسول عليه السلام، وكما أنزلها الله عليه في آيات القرآن الكريم دون تبديل لكلماته وهو عليه السلام يذكر شيوخ الدين والفقهاء بقول الله سبحانه: (وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ) الانعام (١١٥)  

فليتذكر دعاة الاسلام وشيوخ الأزهر وأساتذة المعاهد الدينيةيوما تشخص فيه الأبصار، يوما يشتكيكم فيه رسول الله عليه السلام إلى ربه بادعائه عليهم ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) الفرقان (٣٠): لقد ظلمتم أنفسكم وظلمتم المسلمين حين اتخذتم كتب الروايات والأحاديث المزورة على الله والرسول بديلا عن الآيات في القرآن الكريم وغررتم بالمسلمين ومزقتموهم الى فرق وطوائف متقاتلة بمرجعياتكم المتناقضة، وحرضتم على قتل الأبرياء وادعيتم كذباً وزوراً بأنها أحاديث رسول الله فضيعتم على المسلمين دينهم واتبعتم أهواءكم وخدعتم الناس بأقوالكم، وصرفتم الناس عنكتاب الله وتشريعاته فالله يحذركم بقوله سبحانه: (وَلا تَحسَبَنَّ اللَّـهَ غافِلًا عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ) ابراهيم (٤٢)، فارجعوا الى كتاب الله الذي أمركم في القران بنص صريح لايقبل الالتباس والتأويل في امره سبحانه: (  اتَّبِعوا ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أَولِياءَ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ) الاعراف (٣)، وفي القرآن بين الله في آياته كل شيء، كما قال سبحانه: ( وَيَومَ نَبعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهيدًا عَلَيهِم مِن أَنفُسِهِم وَجِئنا بِكَ شَهيدًا عَلى هـؤُلاءِ وَنَزَّلنا عَلَيكَ الكِتابَ تِبيانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً وَبُشرى لِلمُسلِمينَ ) النحل (٨٩) .

فتذكروا، يا من نصبتم انفسكم وكلاء عن الله في الأرض وعينتمانفسكم دعاة للإسلام وضيعتم دين الله الخالص الى مذاهب وشيع وطوائف، أن الله سبحانه وصف الذين فرقوا دينهم شيعا بالمشركين في قوله سبحانه (منيبين اليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولاتكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) الروم (31\32) فها أنتم تفرقتم لأنكم آمنتم بما رواه الكاذبون وصدقتم ماتقوله على الرسول المنافقون وما ألفه بعض علمائكم الذين اتبعتموهم  فتفرقتم وتعددت أحزابكم وكل حزببمالديهم فرحون فأصبحت مسميات الطوائف والمذاهب مرجعية وحيدة لكل فرقة وقسمتم المسلمين الى (أهل السنة والجماعة \وفرقتموهم الى شافعية\ وحنفية \وحنبلية\ وأشاعرة \الماتريدية\الصوفية \السلفية\الظاهرية\ الجبرية\ الديوبندية\ البريلوية9، اضافة الى مذاهب الشيعة المختلفة ) وهل أولئك جميعهم يحبون الله ويتبعون الرسول عليه السلام لكي يرضى الله عنهم ويغفر لهم ذنوبهم أم أن الله غاضب عليهم لأنهم فرقوا دينهم الى شيع وأحزاب وتمزقت وحدتهم بانصرافهم عن الاعتصام بكتاب الله واتباع رسوله الكريم وتمردوا على أمر الله وطاعته وكل منهم يدافع عن مرجعيته وكل مرجعية تنافس المرجعية الأخرى وفي بعض الأحيان يتقاتل المسلمون كل يعتز بانتمائه لإمامه ويتبع كلامه وكلهم يدعون بأنهم مسلمون بالرغم من أن أمر الله لهم سبحانه يحثهم على الاعتصام بحبل الله في قوله سبحانه (واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا )، هذا أمر الهي على المسلم الصادق طاعته، ولكنهم كانوا جميعهم كاذبين فربهم الله الواحد الأحد وكتاب المسلمين المقدس هو القرآن الكريم مرجعية الاسلام الوحيدة ورسولهم محمد عليه السلام رسول الله وخاتم النبيين واحد فكيف يزعمون أنهم مسلمون وللإسلام ينتمون؟  وكل منهم لديه  شيخه وإمامه يتبعه ويطيعه يزينالشيطان له أعماله يسوقه نحو غضب الله عليه لأنه لم يتبع رسول الله وقرآنه لقد وضع الله قاعدة الايمان في الذكر الحكيم تبين من صدق مع الله وآمن برسوله واتبع هداه ليعلم الناس من الصادق في ايمانه ومن المخادع في اسلامه عندما يخاطب الله رسوله الأمين ليكشف له الكاذبين بقوله سبحانه (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )- آل عمران (31)؛ فأين الذين يحبون الله منكم ان كنتم صادقين ومن هو منكم من يتبع الرسول عليه السلام ليحبه الله ويغفر له ذنوبه ؟

فأسألوا عقولكم وقلوبكم من تتبعون في الحياة الدنيا ليرشدكم إلى طريق الحق المستقيم: فإذا كانت الإجابة بأنكم تحبون الله فذلك يعني أنكم تخليتم عن اتباعكم لغير الله ورسوله وتتبعون رسول اللهوما أنزل الله عليه من الآيات البينات في القرآن العظيم، فسيحبكم الله ويغفر لكم ذنوبكم؛ وأما اذا تبين لكم بأنكم تتبعون الفقهاء وعلماء الدين والمحدثين كالبخاري وزمرته؛ فقد خسرتم دينكم وفاتتكم محبة الله لأنكم لم تتبعوا محمدا رسول الله فيما أنزله الله عليه من آيات الذكر الحكيم ومن البينات في القرآن العظيم ليهديكم للتي هي أقوم كما قال الله سبحانه (ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم اجرا كبيرا ) الاسراء (9)

لذلك فقد اتضح أنكم لستم من أتباع محمد عليه السلام، بل يسري عليكم قول الله سبحانه (واذا قيل لهم تعالوا الى ماأنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ).

أناشدكم أن ترجعوا الى الله وأن تتبعوا ما أنزله الله على رسوله من الهدى والبينات قبل أن يقضي الله الأجل وتقفون بين يدي الله فيتم سؤالكم يوم الحساب كما قال الله سبحانه (ألم تكن آياتي تتلى عليكم وكنتم بها تكذبون\ قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين \ قال اخسؤا فيها ولاتكلمون ) المؤمنون (106\107\108) 

فيومها لن ينفعكم شيوخكم ولا فقهاؤكم، ولا علماؤكم الذين سيكونون حينها في موقف ليس أفضل منكم بما كذبوا على الله ورسوله وحرفوا آياته وضللوا الناس واتبعوا الهوى والنفس الأمارة بالسوء، وزين لهم الشيطان أعمالهم فساء ماكانوا يكتبون .

أدعو الله أن يهديكم الى طريق الحق ويكره لكم طريق الباطل وأن تنقذوا أنفسكم من عذاب يوم القيامة ليجزيكم الله جنات النعيم ولتعيشوا حياتكم الدنيا مطمئنين بحياة طيبة وبركات من رب رحيم ويغفر لكم ذنوبكم ويجعلكم من عباده المخلصين لتنشروا الرحمة والسلام بين الناس ولتحضوا على طعام المساكين ولتستعدوا ليوم الدين بالإيمان بالله الواحد الأحد، وبالقرآن تطبيقا لشريعة الله ومنهاجه والإيمان بمحمد عليه السلام رسول الله للناس جميعا، وإماما أوحد للمسلمين والإيمان بالحساب في الآخرة عما كسبت أيدي الناس وماقدموا لأنفسهم من أعمال الصالحات في الحياة الدنيا.

اللهم اني بلغت فاشهد انك أنت السميع العليم.      

زر الذهاب إلى الأعلى