التراث والكوارث / الاستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي
لقد تسببت فتاوى الفقهاء الأقدمين، وتفاسيرهم في تفرق المسلمين إلى شيع وطوائف ومرجعيات متصارعة، وخلقت الفتن وصنعت الحروب، وسفكت دماء المسلمين دون أن تحقق مصلحة الأمن والاستقرار للناس.
بل بسببها دمرت المدن وشُردت الأسر وسقطت الدول، وفتحت الأبواب لغزو الأعداء لأوطان العرب والمسلمين، ونهب ثرواتهم واحتلال أراضيهم وسبي نسائهم، واستعباد شبابهم وتسخيرهم في خدمة مصالح..
هل تعلمون لماذا؟
لأن المسلمين عصوا أمر الله الذي خاطبهم بقوله سبحانه: «اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ» (الأعراف : 3)
الأمر بعدم اتباع أساطير الأقدمين
ذلك أمر الله صريح للناس ألا يتبعوا غير ما أنزل الله من آيات وتشريعات وعظات وأخلاقيات في كتابه المبين القرآن الكريم، حماية لهم من التضليلواتباعهم أقوال البشر بمختلف مسمياتهم (علماء، وشيوخ دين، وفقهاء).
كما خاطب رسوله عليه السلام بالتمسك بكتاب الله، وأنه تذكير له ولقومه وسوف يسألون عن مدى اتباعهم لكتاب الله، واتخاذه في حياتهم الدنيا مرشدًا لهم في عباداتهم ومعاملاتهم، وحتى في علاقاتهم الاجتماعية..
ومدى التزامهم بتطبيق التشريع الإلهي فيما حرَّم الله، والالتزام بالقواعد المتعلقة به كما تضمنتها الآيات، حيث يقول سبحانه مخاطبًا رسوله عليه السلام : «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)» (الزخرف).
ذلك تأكيد من الله لرسوله عليه السلام بالتمسك بالقرآن الكريم، وعدم اتباع أقوال الأقدمين وفتاويهم،
كما قال سبحانه: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ» (البقرة : 175)
هكذا يصف الله سبحانه أصحاب التراث والمرجعيات الدينية وعلماء المسلمين اليوم، الذين يصرون تحديًا لكتاب الله على العودة لتراث آبائهم وعدم تنقيته، «أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ» (البقرة : 170)
الروايات تفرق المسلمين
وقد أبطل الله سبحانه ذلك، كما أدانهم لما تسببوا فيه من تفريق المسلمين بقوله سبحانه: «مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»(الروم : 32)
وقد وصف الله الذين فرقوا دينهم بالمشركين، فكيف يقرر هؤلاء تنقية التراث الذي نهى الله المسلمين عن اتباع أصحابه وأدى بهم إلى تفرق المسلمين، ووصفهم سبحانه بقوله: «أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ»
وكيف يعتمد المسلمون على أمثال أولئك الذين لا يعقلون ويتحدون الله بكل إصرار في اتباع أصحاب التراث، ويتركون أمر الله في الاعتماد على قرآنه، والتدبر في مقاصد آياته،
وعلى الأخص قوله سبحانه مخاطبًا رسوله عليه السلام «تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ» (الجاثية : 6).
تلك الروايات التي سُميت أحاديث لتشويه دين الإسلام، جعلوها مرجعًا رئيسيًا لرسالة الإسلام مخالفين كتاب الله، وما أمرهم به من اتباع كتابه والتدبر في آياته، وتحريم اتباع أقوال خلقه من فقهاء وشيوخ دين ومفسرين،
رغم أن الله سبحانه بيَّن لهم أن حديث الله هو أصدق الحديث، وأي رواية يصطلح عليها حديثًا فإن ذلك يصبح خداعًا للناس، وافتراء على الله ورسوله، حيث يؤكد قوله سبحانه: «اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا» (النساء : 87)
اكتمال الدين في عهد الرسول
وفي حجة الوداع ألم يبلغ رسول عليه السلام الناس بقول الله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» (المائدة : 3)
فهل بعد ذلك يحتاج الإسلام إضافة من نبي أو رسول أو غيره من شيوخ الدين، فاتقوا الله يا من تمسكون بزمام الدعوة الإسلامية، واخشوا يومًا لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا تفتروا على الله ورسوله بروايات مزورة وأساطير مفبركة لتشويه صورة الإسلام الطاهرة، التي تستهدف خير البشرية والناس أجمعين، بالأمن والرحمة والعدل والحرية في الاعتقاد والإحسان وتحريم العدوان بكل أشكاله، ليتحقق الاستقرار والسلام لكل المجتمعات الإنسانية في العالم.